وَعَنْ أَنَسٍ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ يَنْزِلُ بِهِ, فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي, وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث أنس I: رواه البخاري (5671)، ومسلم (2680).
فقه الحديث:
نهى النبي H المسلم أن يتمنى الموت إذا نزل به الضرر والبلاء في نفسه أو أهله أو ماله أو مجتمعه، من مرض أو فقر أو موت أو غيرها، والنهي عن تمني الموت قال بعض أهل العلم: هو نهي كراهة. وقال بعضهم: هو نهي تحريم، وهو الصحيح؛ لأنه نهي مطلق؛ فيحمل على التحريم.
وممن نص على التحريم من المتقدمين: الإمام ابن حزم والإمام الباجي المالكي، ومن المتأخرين الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين، وسبب هذا النهي أمران:
والمراد من النهي عن تمني الموت: إذا نزل في المسلم ضرر من أمور الدنيا، وأما إذا خشي الفتنة في الدين، وخشي الضرر على دينه؛ فليس منهيًّا عن تمني الموت، كما ذكره جماعة من أهل العلم، ولعله لا خلاف فيه، فقد روى النسائي (4/3) من حديث أنس I قال: قال رسول الله H: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزِلَ بِهِ فِي الدُّنيَا»، أي: بسبب أمر من أمور الدنيا، وهذه الرواية إسنادها صحيح، وهي مقيدة لبقية الروايات.
وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة I قال: قال رسول الله H: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ».
وإذا نزلت بالمسلم مصيبة من مصائب الدنيا، وكان لا بد متمنيًا للموت؛ فلا يتمنين الموت صريحًا، بل يعدل عنه إلى التعليق بوجود الخير فيه، فيقول: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي»، كما أرشد إليه النبي H.
والأمر في قوله: «فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي...» أمر يفيد الإباحة والإذن، وليس أمرًا للوجوب ولا للاستحباب، لأنه أمر بعد حظر، فلا يفيد إلا مجرد الإذن والإباحة.
([1]) المحلى [مسألة] (608)، المنتقى للباجي (2/34)، المجموع شرح المهذب (5/106)، فتح ذي الجلال والإكرام (5/369)، مدخل في ذكر الموت، د/سعد الهلالي (ص/93-98).