وَعَنْ عَائِشَةَ J ; أَنَّ النَّبِيَّ H قَالَ لَهَا: «لَوْ مُتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ». الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَابْنُ مَاجَهْ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(552) 21- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ J: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ أَوْصَتْ أَنْ يُغَسِّلَهَا عَلِيٌّ I. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
تخريج الحديثين:
الحديث الأول: حديث عائشة، رواه أحمد (6/228)، وابن ماجه (1465)، وابن حبان (6586) وإسناده حسن، ولفظه: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكِ فَغَسَّلْتُكِ، وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ»، وله طريق أخرى رواها أحمد (6/144) ولفظها: «وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ»، وإسنادها صحيح.
الحديث الثاني: حديث أسماء بنت عميس J، وهو أثر موقوف، رواه الدارقطني (2/79)، والبيهقي (3/396)، وفي سنده أم جعفر بنت محمد، مجهولة الحال، لكن قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن، وقد احتج به أحمد وابن المنذر، وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما([1]). اهـ
فقه الحديثين:
اتفق الفقهاء على أنه يجوز للمرأة أن تغسل زوجها إذا مات، فلا مانع منه، وقد ثبت عن عائشة J أنها قالت: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا غَسَلَهُ إِلَّا نِسَاؤُهُ»، رواه أحمد (6/267)، وأبو داود (3141) بإسناد حسن.
ويجوز للرجل أن يغسل زوجته إذا ماتت عند جمهور أهل العلم، فلا تكون محرمة عليه بفرقة الموت، فكما يحل له أن ينظر إليها في حياتها يحل له ذلك بعد مماتها، وقد قال رسول الله H لعائشة J: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكِ فَغَسَّلْتُكِ، وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ»، فيفهم منه: جواز تغسيل الحي لزوجته إذا ماتت. وأوصت فاطمة أن يغسلها علي، وهو الراجح.
الأصل أن يغسل الرجال الرجل الميت، وأن النساء يغسلن المرأة الميتة، فهذا الذي كان يفعل في عهد النبي H، وأجمع عليه العلماء.
واتفق الفقهاء على أن الأولى أن يغسل الميت أقاربه، فالقريب أحرص وآمن على قريبه الميت، يعتني به أكثر ويستر عليه، وقد ثبت أن علي بن أبي طالب I غسل النبي H وقال له: «طِبْتَ حَيًّا وَطِبْتَ مَيِّتًا»، رواه ابن ماجه (1467)، والحاكم (1/362)، والبيهقي (3/388)، ويشترط في القريب الغاسل أن يكون عالمًا بالسنة حتى يقدم على غيره، فلا يقدم القريب في تغسيل الميت مع جهله بكيفية التغسيل على السنة.
اختلف العلماء في المرأة إذا ماتت يغسلها أبوها أو ابنها أو أخوها، وفي الرجل إذا مات تغسله أمه أو ابنته أو أخته؛ فذهب الحنفية والإمام أحمد في المشهور عنه إلى عدم جواز ذلك، فلا يغسل المرأةَ محارمُها ولو انعدم النساء، ولا يغسل الرجلَ محارمُه من النساء ولو انعدم الرجال، وييمم الميت في هذه الحالة، فينتقل من الغسل إلى التيمم دفعًا للفتنة.
وذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يجوز أن يغسل المرأةَ محارمها من الرجال، بشرط انعدام وجود النساء. ويجوز أن يغسل الرجل محارمه من النساء إذا لم يوجد الرجال، لأنها ضرورة، والرجل المحرم ليس كالأجنبي، فيجوز له النظر إلى بعض أعضاء محرمه في حياتها، فكذلك بعد مماتها، فتغطَّى المرأة عند تغسيلها بثيابها، ولا يظهر منها إلا ما يجوز للمحرم أن ينظر إليه في حياتها، وكذلك الأمر في الرجل تغسِّله محارمه من النساء، وهو الراجح.
اختلف العلماء في هذه المسألة؛ فقال جمهور العلماء: إذا مات الرجل وليس عنده إلا النساء الأجانب؛ فإنه ييمم ولا يغسل، وإذا ماتت المرأة وليس عندها إلا الرجال الأجانب؛ فإنها تيمم ولا تغسل، خشية وقوع الفتنة بالتغسيل، وقد جاء عند البيهقي (3/398) عن النبي H أنه قال: «إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا، وَالرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمَا يُتَيَمَّمَانِ»، وهو حديث ضعيف مرسل، والغسل الواجب ينوب عنه في الشرع التراب عند عدم القدرة على الغسل.
وذهب جماعة من السلف، وقول كثير من فقهاء الشافعية، ورواية لأحمد، واختاره ابن حزم: إلى وجوب التغسيل في هذه الحالة، ويصب الماء صبًّا دون لمس للميت، ويغض الرجل نظره ما أمكنه إذا غسل المرأة الأجنبية، فإن اضطر للنظر بقدر الضرورة؛ فله ذلك بشرط أمان الفتنة، كما يجوز النظر إليها للمداواة، فالغسل واجب، ويمكن الإتيان به هنا قدر الاستطاعة، وقد قال تعالى: ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ ﴾ [التغابن: ١٦]، وفي الصحيحين أن النبي H قال: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، ويُغطى جميع بدن المرأة بالثياب، تُراعى فيه الآداب والضوابط الشرعية، وهو الأرجح، والله أعلم.
وقال بعض العلماء: تدفن أو يدفن دون غسل أو تيمم؛ لمخافة الفتنة.
([1]) تلخيص الحبير (2/151).
([2]) الأوسط (5/334، 336)، المجموع شرح المهذب (5/132، 135)، المحلى [مسألة] (617)، بداية المجتهد (1/228).
([3]) بداية المجتهد (1/227)، المغني (3/460)، المجموع شرح المهذب (5/129)، الإنصاف (2/472).
([4]) المجموع شرح المهذب (5/137، 151)، بداية المجتهد (1/228)، الأوسط (5/336).
([5]) الأوسط (5/337)، المجموع شرح المهذب (5/141، 151)، المحلى [مسألة] (618)، بداية المجتهد (1/228).