2024/12/22
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ قَالَ: فَسَأَلَ عَنْهَا النَّبِيُّ فَقَالُوا: مَاتَتْ, فَقَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي?»

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ قَالَ: فَسَأَلَ عَنْهَا النَّبِيُّ H فَقَالُوا: مَاتَتْ, فَقَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي?» فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا»، فَدَلُّوهُ, فَصَلَّى عَلَيْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَزَادَ مُسْلِمٌ, ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا, وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ».

تخريج الحديث:

حديث أبي هريرة: رواه البخاري (1337)، ومسلم (956)، وزيادة: «إِنَّ هَذِهِ القُبُورَ...» انفرد بها مسلم، وقد أعلها الدارقطني بأنها مدرجة من كلام ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة I ([1]).

فقه الحديث:

المسألة الأولى: الصلاة على القبر بعد دفن الميت([2]):

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه تشرع الصلاة على القبر بعد دفن الميت فيه بدون كراهة، فقد ثبت عن النبي H أنه صلى على قبر المرأة التي كانت تنظف المسجد بعد أن دفنت، ولم يكن النبي H صلى عليها قبل دفنها، والسبب أن الصحابة استصغروا أمرها، فلم يريدوا إزعاج النبي H، وكان دفنها في الليل. وجاء في الصحيحين عن ابن عباس L أنه: «مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ H عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَأَمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ». وما ثبت عن النبي H من النهي عن الصلاة إلى القبور؛ فهو نهي عام تستثنى منه هذه الصورة؛ لأدلة خاصة بها.

واختلفوا في المدة التي تجوز الصلاة فيها على القبر؛ فقال الحنفية: يجوز إلى ثلاثة أيام فقط.

والمشهور عن الحنابلة، وقول بعض الشافعية: أنه يجوز ذلك لمدة شهر فقط؛ لما جاء عند الترمذي (1038)، والبيهقي (4/48): «أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ H غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ»، وهذا الحديث من مراسيل سعيد بن المسيب، ومراسيله من أصح المراسيل، واحتج بها جماعة من أهل العلم.

وذهب بعض أهل العلم إلى عدم تحديد الجواز بمدة معينة، فتشرع الصلاة على القبر إلى الأبد، فقد صلى النبي H على بعض القبور ولم يقيد هذا الجواز بمدة معينة، وما جاء عنه أنه صلى على أم سعد بعد موتها بشهر؛ فليس فيه المنع من الصلاة على القبر بعد شهر، وإنما اتفق له النبي H الصلاة بعد موت هذه الصحابية بشهر، وقد جاء في الصحيحين عن عقبة بن عامر I: «أَنَّ النَّبِيَّ H خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى المَيِّتِ»، وهذا نص صريح في جواز الصلاة على القبر بعد دفن الميت بفترة طويلة، إلا أن أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة عليهم كانت بالدعاء فقط، وهذا يخالف ظاهر الحديث، ففيه أنه صلى عليهم كصلاته على الميت، وهذا القول هو مذهب الظاهرية، وقول مشهور عند الشافعية، وهو وجه للحنابلة، واختاره ابن عثيمين، وهو الأرجح، فمن فاتته الصلاة على الميت وكان ممن يحرص على الصلاة عليه لو كان موجودًا ذاك الوقت -كأقربائه وأصدقائه- وكان مكلفًا حين موت هذا المدفون؛ فإنه يشرع له أن يصلي على قبره ولو بعد فترة.

فلو صلى على كل قبر مر عليه؛ فهو بدعة، لم يفعله رسول الله H.

المسألة الثانية: الصلاة على الجنازة في المقبرة([3]):

قال جماعة من أهل العلم: يجوز الصلاة على الجنازة في المقبرة بلا كراهة، وهو مذهب الظاهرية، والمذهب عند الحنابلة، والمشهور عند الحنفية، كما تشرع الصلاة على القبور، فلا فرق بين أن يصلى على الميت وهو في قبره، وبين أن يصلى عليه وهو على نعشه في المقبرة، لأن العلة واحدة، وهي وجود الميت في المقبرة، وقد ثبت عن نافع قال: «صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ L وَسَطَ الْبَقِيعِ، وَالإِمَامُ يَوْمَ صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَةَ J أَبُو هُرَيْرَةَ I، وَحَضَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ L».

والمنقول عن أكثر أهل العلم: كراهية الصلاة على الجنازة في المقبرة؛ لما ثبت عن النبي H أنه قال: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ»، رواه الترمذي وغيره، سبق في «باب شروط الصلاة». وثبت عن أنس I أنه كان يكره الصلاة على الجنازة في المقبرة، وهو الراجح، فتصح الصلاة على الجنازة في المقبرة مع كراهية ذلك، فلم ينقل عن النبي H أنه صلى على جنازة في المقبرة.

 

([1]) علل الدارقطني (1/202).

([2]) الأوسط (5/413)، المحلى [مسألة] (581)، المجموع شرح المهذب (5/247، 250)، التمهيد (6/279)، فتح الباري (3/565، 571)، الإنصاف (2/531)، الشرح الممتع (5/436).

([3]) الأوسط (5/417)، التمهيد (6/259)، المغني (3/423)، المحلى [مسألة] (581)، الموسوعة الفقهية (16/36).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=716