وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا, وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا, فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يُكَبِّرُهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ.
(562) 31- وَعَنْ عَلِيٍّ I: أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ سِتًّا, وَقَالَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ.
وَأَصْلُهُ فِي «الْبُخَارِيِّ».
تخريج الحديثين:
الحديث الأول: عن زيد بن أرقم I، رواه مسلم (957).
الحديث الثاني: هو أثر موقوف على علي بن أبي طالب I، رواه
عبد الرزاق (3/481)، والبيهقي (4/36)، وإسناده صحيح، وأصل هذا الأثر في البخاري (404) دون ذكر العدد، ولفظه: «أَنَّ عَلِيًّا I كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا».
فقه الحديثين:
يشرع التكبير على الجنازة خمس تكبيرات، وهو قول طائفة من أهل الحديث، ورواية لأحمد، ومذهب الظاهرية؛ لما جاء عن زيد بن أرقم I أنه كبر على جنازة خمس تكبيرات، وقال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يُكَبِّرُهَا»، فالأغلب في صلاة الجنائز أن يكبر الناس على الجنازة أربعًا، لأن الأحاديث في هذا أصح وأكثر، ولا بأس أن يكبروا أحيانًا على الجنازة خمسًا؛ لأنه ثبت أيضًا عن النبي H، وثبت: «أَنَّ عَلِيًّا I كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ سِتًّا، فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا».
وقد روى الدارقطني (2/73)، والبيهقي (4/37) عن علي بن أبي طالب I «أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا، وَعَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ خَمْسًا، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا»، وإسناده صحيح. وروى البخاري في صحيحه عن علي I: «أَنَّهُ صَلَّى عّلَى يَزِيد بنِ المُكَفَّف فَكَبَّرَ أَرْبَعًا»، والمنقول عن أكثر الصحابة أنهم كانوا يرون أن التكبير على الجنازة أربعًا، منهم عمر I؛ فقد جاء عنه: «أَنَّه كَبَّرَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَرْبَعًا»، رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/498) بإسناد صحيح، وبه أخذ جمهور القفهاء.
اتفق الفقهاء على أن هذه التكبيرات الأربع ركن في صلاة الجنازة لا تصح الصلاة إلا بهن، فلم ينقل عن النبي H أنه كبر على جنازة أقل من أربع.
نقل بعض أهل العلم الإجماع على رفع اليدين في التكبيرة الأولى. واختلفوا في بقية التكبيرات على قولين:
القول الأول: المشهور عند الحنفية، والمشهور عند المالكية، وقول ابن حزم الظاهري: عدم رفع اليدين في التكبيرات، لأنه لم يثبت عن النبي H أنه رفع فيها، وقد روى الدارقطني (2/75) عن ابن عباس L: «أَنّ
رَسُولَ اللَّهِ H كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لا يَعُودُ»، وإسناده ضعيف.
القول الثاني: مذهب أكثر أهل العلم على استحباب رفع اليدين في هذه التكبيرات.
ودليلهم الآتي:
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: وضع اليمنى على اليسرى في صلاة الجنازة، فقد ثبت عن النبي H أنه كان إذا قام إلى الصلاة وضع اليمنى على اليسرى، وهذا عام يشمل جميع الصلوات بما فيها صلاة الجنازة. وروى الترمذي (1077)، والبيهقي (4/38) عن أبي هريرة I قال: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ وَوَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى»، وإسناده ضعيف جدًا، والله أعلم.
([1]) المجموع شرح المهذب (5/321)، المغني (3/410)، المحلى [مسألة] (573)، مجموع الفتاوى (22/70)، الإنصاف (2/527)، فتح الباري (3/562).
([2]) المجموع شرح المهذب (5/230)، الإنصاف (2/524)، حاشية ابن عابدين (3/100).
([3]) سنن الترمذي (4/236)، المجموع شرح المهذب (5/232)، المغني (3/417)، المحلى [مسألة] (573)، الأوسط (5/427)، الشرح الممتع (5/425).
([4]) تلخيص الحبير (2/154).
([5]) تلخيص الحبير (2/154).
([6]) المجموع شرح المهذب (5/231)، سنن الترمذي (4/236).