- وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ I قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ H عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ, وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ, وَاعْفُ عَنْهُ, وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ, وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ, وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ, وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ, وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ, وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ, وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ, وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(566) 35- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا, وَمَيِّتِنَا, وَشَاهِدِنَا, وَغَائِبِنَا, وَصَغِيرِنَا, وَكَبِيرِنَا, وَذَكَرِنَا, وَأُنْثَانَا, اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ, وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ, اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ, وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَالْأَرْبَعَةُ.
(567) 36- وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ H قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
تخريج الأحاديث:
حديث عوف بن مالك I: رواه مسلم (963).
حديث أبي هريرة I: رواه أحمد (2/368)، وأبو داود (3201)، والنسائي في الكبرى (1/643)، والترمذي (1024)، وابن ماجه (1498)، ولم يروه مسلم، والصحيح في هذا الحديث الإرسال، كما قاله جماعة من الأئمة منهم البخاري وأبو حاتم والدارقطني والبيهقي([1]).
حديث أبي هريرة I: رواه أبو داود (3197)، وابن ماجه (1497) وابن حبان (3066) وإسناده حسن.
فقه الأحاديث:
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يجب الدعاء للميت في صلاة الجنازة، لأن حقيقتها –أي: الصلاة- والمقصود منها الدعاء له، وقد أمر النبي H بذلك فقال: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى المَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ»، وإخلاص الدعاء له يكون بتخصيص الميت بالدعاء، مع حضور القلب ونية النفع له.
قال الفقهاء: لا بأس بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات في صلاة الجنازة، مع الدعاء للميت، ففي حديث أبي هريرة: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا، وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا... إلخ».
اتفق الفقهاء على أن الدعاء في صلاة الجنازة ليس له صيغة معينة يجب الالتزام بها، فليس فيها دعاء يتعين الإتيان به، فيدعو بالمغفرة والعفو والرحمة للميت، والإعاذة من النار ومن عذاب القبر، ويسأل له الجنة، والأفضل أن يدعو بما ثبت من الأدعية عن النبي H، لا سيما الدعاء الذي نقله عنه عوف ابن مالك I فهو أصحها.
جاء عن أبي هريرة I: «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْمَنْفُوسِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا سَلَفًا وَفَرَطًا وَذُخْرًا»، رواه البيهقي (914)، وقال الألباني: إسناده حسن، وثبت عن الحسن البصري. رواه البخاري معلقًا (4/110)([6]). وصح عنه أنه كان يقول في الصلاة عليه: «اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»، رواه مالك في الموطأ (1/228)، وابن أبي شيبة (1/430).
وبهذا الدعاء الذي جاء عن أبي هريرة I والحسن البصري أخذ الفقهاء، واستحسن جماعة من الفقهاء أن يقال أيضا: «اللهم ألحقه بنبيك إبراهيم»؛ لما ثبت أن أبناء المسلمين مع إبراهيم S في الجنة. واستحب بعضهم أن يدعى – أيضًا - لأبويه بالرحمة والمغفرة، فقد ثبت عن النبي H في الصلاة على السقط الإرشاد إلى الدعاء لأبويه بالمغفرة والرحمة، وسيأتي حديثه.
ولم يثبت عن النبي H دعاء خاص بالصبي، وجاء ذكره بالعموم كما في حديث أبي هريرة I: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا، وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا، وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا، وَكَبِيرِنَا».
([1]) سنن الترمذي (4/192)، علل ابن أبي حاتم (354، 357)، علل الدارقطني (4/270)، سنن البيهقي (4/40).
([2]) المغني (3/415)، المجموع شرح المهذب (5/239)، الأوسط (5/445)، مجموع الفتاوى (21/286)، الإنصاف (2/521)، الموسوعة الفقهية (16/23).
([3]) انظر المراجع السابقة، والمحلى [مسألة] (574)، وكتاب الدعاء، د/ خلود (1/405).
([4]) المراجع السابقة.
([5]) المغني (3/416)، المحلى [مسألة] (575)، المجموع شرح المهذب (5/256)، الموسوعة الفقهية (16/23).
([6]) أحكام الجنائز (ص/166).