وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I عَنِ النَّبِيِّ H قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ, فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ, وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (1315)، ومسلم (944).
فقه الحديث:
نقل بعض أهل العلم إجماع العلماء على استحباب الإسراع بالجنازة عند تشييعها، فقد قال النبي H: «أَسْرِعُوا بِالجَنَازَةِ»، وهذا أمر بالإسراع، وفائدته ما ذكر في بقية الحديث: «فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ»، إن كانت هذه الجنازة لمسلم صالح فنعجل به إلى الخير الذي ينتظره، وإن كانت لفاجر فنعجل به لنضعه عن أعناقنا لنتخلص من هذا الشر.
ويرى ابن حزم وجوب الإسراع بالجنازة لظاهر الأمر، والأقرب أنه مستحب فقط.
واختلفوا في حد الإسراع، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن هذا الإسراع فوق المشي المعتاد، ودون الخبب، أي: الرمل، وهو الإسراع حتى تهتز المناكب.
وقد جاء عن ابن مسعود I قال: «سَأَلْنَا نَبِيَّنَا H عَنِ الْمَشْيِ مَعَ الْجَنَازَةِ، فَقَالَ: مَا دُونَ الْخَبَبِ»، رواه أبو داود (3182)، وإسناده ضعيف، وروى أحمد (5/36)، وأبو داود (3180)، والنسائي (4/43) عن أبي بكرة I قال: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ H وَإِنَّا لَنَكَادُ أَنْ نَرْمُلَ بِهَا»، وإسناده صحيح، فلم يرملوا عند تشييع الجنازة وإنما قاربوه.
وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث: «وَإِنَّا لَنَرْمُلُ بِالْجِنَازَةِ رَمَلًا»، دون قَوْلُهُ: «لنكاد»، واللفظ الأول هو الأشهر في الحديث.
ولأن الإسراع بشدة فيه إيذاء للحامل وللمتبوع، ولا يؤمن على الميت فربما سقط أو انحسر بعض كفنه.
يستحب الإسراع في تجهيز الميت والمبادرة إلى دفنه باتفاق العلماء بعد التحقق من موته، وجاءت فيه أحاديث لكنها ضعيفة، ويغني عنها حديث أبي هريرة I: «أَسْرِعُوا بِالجَنَازَةِ»، فهو لفظ عام يشمل التشييع لها وغيره، ويكون قَوْلُهُ: «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» المراد به: الحمل المعنوي، كما قيل: «حمل فلان على رقبته دينًا» فعليه: يكون معنى الحديث: استريحوا ممن لا خير فيه بالمسارعة في تجهيزه ودفنه والتخلص منه. وعلى أن المراد بالإسراع: الإسراع بتشييعه؛ فيكون وجه الدلالة من الحديث أن يقال: أمر الناس بالإسراع عند حملها مع ما فيه من المشقة، فيكون الأمر بالإسراع بالتجهيز من باب الأولى.
([1]) الأوسط (5/377)، المجموع شرح المهذب (5/271)، المغني (3/394)، المحلى [مسألة] (592)، فتح الباري (3/538).
([2]) المغني (3/366)، المجموع شرح المهذب (5/124)، بداية المجتهد (1/226)، فتح الباري (3/539)، الموسوعة الفقهية (16/7).