وَعَنْ سَالِمٍ, عَنْ أَبِيهِ I أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ H وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ, يَمْشُونَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَأَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ وَطَائِفَةٌ بِالْإِرْسَالِ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر L: رواه أحمد (2/8)، وأبو داود (3179)، والنسائي (4/56)، والترمذي (1009)، وابن ماجه (1482) وغيرهم، وقد اختلف في وصله وإرساله، قال الترمذي: «أهل الحديث كلهم يرون المرسل أصح» إهـ، وممن حكم عليه بالإرسال من الأئمة: أحمد والنسائي والبخاري وأبو حاتم والدارقطني([1])، فالصواب فيه الإرسال.
فقه الحديث:
لا خلاف بين العلماء في أنه يجوز لمن تبع الجنازة المشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها، فقد جاء عن المغيرة بن شعبة I قال: قال
رسول الله H: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ، وَالْمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا، وَأَمَامَهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا، وَعَنْ يَسَارِهَا، قريبًا مِنْهَا، وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ»، وهو حديث صحيح، سبق الكلام عليه.
واختلفوا في الأفضل؛ فقال جماعة من أهل العلم منهم الحنفية وابن حزم: الأفضل المشي خلف الجنازة، لأنه مقصود الاتباع، وهو معنى الاتباع.
وقال جمهور أهل العلم: الأفضل المشي أمامها؛ لأدلة ومنها:
وجاء عند ابن أبي شيبة (2/478) عن أبي صالح السمان قال: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ H يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ»، وإسناده حسن، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: «كُنَّا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ H نَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْجَنَازَةِ -أي أمامها-، وَلا يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا»، رواه ابن المنذر (5/382) بإسناد صحيح.
والأخذ بالمشهور عن الصحابة أولى.
لا خلاف بين أهل العلم أنه يجوز الركوب عند تشييع الجنازة، ويكون الراكب خلفها حتى لا يؤذي المشاة.
ودليله: ما جاء في حديث المغيرة I عن النبي H قال: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ».
واتفقوا على أن المشي أفضل من الركوب، وأما بعد الدفن؛ فلا بأس بالركوب، فقد جاء عن ثوبان I أنه قال: «إِنّ رَسُولَ اللَّهِ H أُتِيَ بِدَابَّةٍ، وَهُوَ مَعَ الْجَنَازَةِ، فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ، فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي، فَلَمْ أَكُنْ لِأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ، فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ»، رواه أبو داود (3175)، والبيهقي (4/23) وإسناده صحيح.
مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة على أن الأفضل لمن حمل الجنازة أن يحملها من قواعد السرير الأربع، يبدأ بالمقدمة ثم بالمؤخرة، فقد جاء عن ابن مسعود I قال: «مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةً، فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ»، رواه ابن ماجه (1478) وسنده ضعيف لانقطاع فيه. وروى الطبراني في الأوسط (2920) عن أنس I أنه قال: قال رسول الله H: «مَنْ حَمَلَ جَوَانِبَ السَّرِيرِ الأَرْبَعَ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً»، وإسناده ضعيف جدًّا. وعن أبي الدرداء قال: «مِنْ تَمَامِ أَجْرِ الْجِنَازَةِ أَنْ يُشَيِّعَهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَنْ يَحْمِلَ بِأَرْكَانِهَا الْأَرْبَعِ، وَأَنْ يَحْثُوَ فِي الْقَبْرِ»، رواه ابن أبي شيبة، وسنده ضعيف.
وذهب مالك والظاهرية وغيرهم إلى أن الجنازة تحمل من أي جهة من السرير، وبأي كيفية كانت، فلم تثبت سنة في استحباب حملها من جميع الأركان الأربع، وهو الأرجح.
([1]) تلخيص الحبير (2/119)، تهذيب السنن مع عون المعبود (8/322).
([2]) التمهيد (12/94)، المحلى [مسألة] (605)، المجموع شرح المهذب (5/279)، المغني (3/397)، الأوسط (5/380).
([3]) التمهيد (12/93)، تلخيص الحبير (2/119).
([4]) الأوسط (5/384)، الاستذكار (8/224)، المغني (3/399)، بدائع الصنائع (1/310)، المجموع شرح المهذب (5/279).
([5]) الأوسط (5/374)، المحلى [مسألة] (609)، المغني (3/402)، المجموع شرح المهذب (5/270).