وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ I: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا, فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث أبي سعيد I: رواه البخاري (1310)، ومسلم (959).
فقه الحديث:
الذي عليه أكثر أهل العلم: أنه يستحب القيام في الموضعين، فيستحب لمن مرت به الجنازة وهو قاعد أن يقوم، ويستحب لمن تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع الجنازة، ففي حديث أبي سعيد I أن النبي H قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ»، فأمر بالقيام ونهى المتبع للجنازة عن الجلوس حتى توضع، وقد جاء بنحوه – أيضًا - من حديث جابر، وعامر بن ربيعة، وسهل بن حنيف، وقيس بن سعد M، وكلها في الصحيحين.
ولا يكون هذا القيام واجبًا في الموضعين؛ لما رواه مسلم عن علي بن أبي طالب I قال: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ H ثُمَّ قَعَدَ»، فقعد النبي H بعد أن أمر بالقيام؛ ليبين أن هذا الأمر للاستحباب وليس للوجوب. وجاء عند أحمد (1/82)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/488)، والبيهقي (4/27) وغيرهم عن علي بن أبي طالب I قال: «أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ»، وإسناده صحيح.
وهذا الأمر بالجلوس يرد عليه بالآتي:
والمشهور عند المالكية والشافعية: أن القيام في الموضعين منسوخ، فلا يستحب لمن مرت به الجنازة وهو قاعد أن يقوم، ولا يستحب القيام لمن تبعها حتى توضع، لحديث علي بن أبي طالب I، ففيه: أن آخر الأمر من النبي H هو القعود وأمر به الناس، والعمل بالمتأخر والمتقدم منسوخ.
وقد مرت جنازة على الحسن بن علي وابن عباس L فقام أحدهما ولم يقم الآخر، فقال الذي قام: «أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H قَدْ قَامَ، قَالَ لَهُ الَّذِي جَلَسَ: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H قَدْ جَلَسَ»، رواه النسائي (4/47) وإسناده صحيح.
والظاهر: أن ما عليه أكثر أهل العلم هو الأصح، فيستحب القيام في الموضعين؛ لعدم تعذر الجمع بين الحديثين، والله أعلم.
([1]) المغني (3/403)، المجموع شرح المهذب (5/280)، الاستذكار (8/302)، فتح الباري (3/532، 535).