- وَعَنْ عُمَرَ I عَنِ النَّبِيِّ H قَالَ: «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(590) 59- وَلَهُمَا: نَحْوُهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
(591) 60- وَعَنْ أَنَسٍ I قَالَ: شَهِدْتُ بِنْتًا لِلنَّبِيِّ H تُدْفَنُ,
وَرَسُولُ اللَّهِ H جَالِسٌ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
تخريج الأحاديث:
حديث عمر I: رواه البخاري (1289)، ومسلم (927).
وحديث المغيرة I: رواه البخاري (1291)، ومسلم (933)، وزاد مسلم في رواية: «يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وحديث أنس I: رواه البخاري (1285).
فقه الأحاديث:
هذه المسألة فيها أقوال وأشهرها قولان؛
القول الأول: أن الميت يعذب في قبره إذا ناح عليه أهله العذاب المعنوي دون العذاب الحسي، فهو يتألم ويحزن في قبره بنوح أهله عليه، ببكائهم عليه البكاء غير المشروع، وهذا كقوله H كما في الصحيحين: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ»، ولا يحمل العذاب هنا على العذاب الحسي؛ لأنه لا يعذب الإنسان بذنب غيره، فقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ ﴾ [الانعام: ١٦٤]، وهذا مذهب جماعة من أهل العلم، منهم ابن تيمية وابن القيم.
القول الثاني: ما عليه جمهور أهل العلم: أن الميت يعذب في قبره بنوح أهله عليه العذاب الحسي الحقيقي، فحمله على العذاب المعنوي يخالف ظاهر الأحاديث، وقد جاء في صحيح مسلم من حديث المغيرة I أن النبي H قال: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وهذا لا يمكن تأويله بالعذاب المعنوي، لأن العذاب يوم القيامة حسي حقيقي، فهو يعذب بسببه في قبره ويوم القيامة، ويعذب العذاب الحقيقي بنوحهم عليه إذا أوصاهم بذلك، أو علم بأنهم سينوحون عليه ولم ينههم أو يعلمهم قبل ذلك، وقد قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا ﴾ [التحريم: ٦] هو الراجح والله أعلم.
أجمع العلماء على جواز البكاء على الميت بدمع العين وحزن القلب، دون نياحة وندب ودعوى الجاهلية، فقد جاء عن النبي H أنه بكى على بعض من مات من أهله، كبكائه على ابنته وعلى ابنه إبراهيم.
([1]) التمهيد (17/278)، شرح مسلم (6/202)، المجموع شرح المهذب (5/308)، المغني (3/492)، مجموع الفتاوى (24/375)، فتح الباري (3/500)، أحكام الجنائز (ص/29).
([2]) انظر المراجع السابقة.