2024/12/22
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «إِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ - وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ - فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ,

وَعَنْ عَلِيٍّ L قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «إِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ - وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ - فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا, وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ, فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ, فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ, وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَهُوَ حَسَنٌ, وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ.

(606) 09- وَلِلتِّرْمِذِيِّ; عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «مَنِ اسْتَفَادَ مَالًا, فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ». وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ.

تخريج الحديثين:

حديث علي I: رواه ابن أبي شيبة (2/357)، وأبو داود (1573)، والبيهقي (4/95) وغيرهم، وقد اختلف في رفعه ووقفه، والصواب فيه الوقف، فأكثر الثقات يروونه موقوفًا([1])، وقد رجح فيه الوقفَ الدارقطني([2]). وقال البيهقي عقبه: «والاعتماد في ذلك على الآثار الصحيحة فيه عن أبي بكر وعثمان وغيرهم» إهـ.

حديث ابن عمر L: رواه الترمذي (632) ورجح وقفه، وكذلك الدارقطني والبيهقي([3]).

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: زكاة الفضة والذهب([4]):

أجمع العلماء على أن في الذهب والفضة زكاة، فقد قال D: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ [التوبة: ٣٤]، وفي صحيح مسلم مرفوعًا: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ».

وأجمعوا على أن نصاب الفضة مائتا درهم، وفيها ربع العشر (2,5%).

ولا زكاة فيما دون مائتي درهم من الفضة، ففي حديث علي بن أبي طالب I: «إِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ -وَحَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ- فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ»، وفي كتاب أبي بكر I: «وَفِي الرِّقَة ِ رُبُعُ العُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُن ْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ»، وفي الصحيحين عن أبي سعيد I قال: قال
رسول الله H: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»، والأوقية تساوي أربعين درهمًا، فخمس أواق تساوي مائتي درهم.

واختلف العلماء والبحاث في قيمة الدرهم بالجرامات العصرية، ومن أشهر ما قيل: إن الدرهم يساوي اثنين جرام وتسع مائة وخمسة وسبعين من ألف (2.975) أو يقال 3 جرام تقريبًا، فعليه نصاب الفضة بالجرامات يساوي (200 × 2.975 = 595 جرامًا من الفضة الصافية)، فما كان 595 جرامًا من الفضة الصافية وما فوق ففيه الزكاة.

والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن نصاب الذهب عشرون دينارًا، ففي حديث علي I: «وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ»، ولهذا الحديث شواهد، وقد حسنه بعض أهل العلم، وأيضًا هو الثابت عن الصحابة. والدينار الذهب في عهد
رسول الله H يساوي عشرة دراهم من الفضة، فعشرون دينارًا يساوي مائتي درهم، وهو نصاب الفضة.

وأجمع العلماء على أنه يؤخذ من الذهب في الزكاة ربع العشر، لحديث علي بن أبي طالب I وشواهده، وقياسًا على الفضة، ففيها ربع العشر بنص
رسول الله H، فكلاهما من جنس واحد وهو النقد، وعلة الزكاة فيهما واحدة وهي الثمنية، فهي أثمان للمبيعات، وثبت هذا التقدير عن عمر وعلي L.

واختلف العلماء والبحاث في قيمة الدينار بالجرامات الذهبية، ومن أشهر ما قيل فيه: إن الدينار الواحد من الذهب يساوي أربعة وربع جرام من الذهب، فعليه نصاب الذهب بالجرامات يساوي عشرين دينارًا، تضرب في أربعة وخمسة وعشرين بالمائة، والناتج خمسة وثمانين جرامًا من الذهب الصافي (20 × 4.25 = 85 جرامًا من الذهب الصافي)، فعليه: من كان معه خمسة وثمانون جرامًا من الذهب؛ ففيه زكاة، وهذا يتحقق في ذهب عيار (24).

وإذا كان الذهب أو الفضة مغشوشًا أو مختلطًا بغيره؛ فلا زكاة فيه حتى يبلغ الذهب أو الفضة الخالصُ النصابَ، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وهو الراجح؛ لظاهر الأدلة، مثلًا: ذهب عيار (22) مخلوط بنحاس، فذكر أهل الشأن أن النصاب فيه (92) جرامًا.

المسألة الثانية: زكاة الأوراق النقدية (العُمَل)([5]):

عامة المجامع الفقهية وهيئات البحوث العلمية والعلماء والبحاث على وجوب الزكاة في الأوراق النقدية العصرية، قياسًا على الذهب والفضة، لعلة الثمنية، فقد خُصّ الذهب والفضة بالزكاة من سائر الأوزان والمعادن والجواهر؛ لكونهما أثمان المبيعات يشترى بها ويتعامل بها في تلك الأزمنة، وحل محلها في التمول والثمنية الأوراق النقدية، وصارت لها قوة الذهب والفضة في قضاء الحاجات وتيسير المبادلات وتحقيق المكاسب والأرباح، فتأخذ حكمهما في وجوب الزكاة وغيرها كالربا مثلًا، وهو الراجح بلا شك، وربما يكاد ينعدم الخلاف فيها في هذه الآونة.

واختلفوا في نصاب هذه العُمَل الورقية؛ فقال بعض أهل العلم: نصابها نصاب الذهب، ومنهم علماء المجمع للبحوث الإسلامية المصري، والشيخ الألباني، والأشقر، وأبو زهرة، فعلى هذا: القول يكون النصاب قيمة 85 جرام ذهب، فلو قلنا مثلًا -: إن جرامًا واحدًا بـ 10000 ريال، يكون نصاب العمل الورقية 850000، فمن كان معه 850000 ثمان مائة وخمسون ألف ريال يمني وجبت فيها الزكاة.

ودليلهم: أن الفضة قد تغيرت قيمتها بعد عصر رسول الله H تغيرًا كبيرًا، بخلاف الذهب؛ فإن قيمته تعتبر ثابتة إلى حد كبير، وأيضًا لأن نصاب الذهب مقارب لباقي الأنصبة في الزكاة كزكاة الإبل مثلًا، فنصاب الإبل خمسة، وأقل قيمة للإبل مائتا ألف ريال يمني، فخمسة من الإبل تساوي (مليون ريال يمني) ونصاب الذهب ثمان مائة وخمسون ألف ريال يمني، فهي متقاربة، ومثل هذا في الغنم.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن نصاب الأوراق النقدية يعتبر بأقل النصابين من الذهب أو الفضة، وأقلهما - بلا شك - نصاب الفضة، وممن ذهب إليه هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة، والشيخ ابن عثيمين.

فنصاب الفضة 595 جرام، فقيمتها هو نصاب العمل، مثلًا: جرام واحد من الفضة بـ 100 ريال يمني، فيكون نصاب الأوراق النقدية 595 100 ريال = 59500 ريال يمني فقط، تسعة وخمسين ألف وخمسمائة.

وحجتهم أن هذه الأوراق فيها الزكاة قياسًا على الذهب والفضة، فلا تعفى من الزكاة مع بلوغها نصاب أحدهما، وهو الفضة حاليًا، ولأنه أنفع للفقراء وأبرأ لذمة المزكي، ولا تقاس بأعلاهما مع وجود الأدنى.

كلا القولين قوي، والأحوط القول الثاني: أن يقاس على الفضة، ويخرج من الأوراق النقدية ربع العشر.

وطريقة الحساب: أن يقسم المبلغ على أربعين، مثلًا معه 100000 يقسمها على أربعين فيساوي 2500، أو يقسم على العشرة، ثم يقسم الناتج على أربعة.

المسألة الثالثة: اشتراط حولان الحول في المال الذي يزكى([6]):

أجمع العلماء على اشتراط الحول في أخذ الزكاة، إلا في الزروع والثمار، فوقت إخراج زكاتها عند حصادها، قال الله D: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ جَنَّٰتٖ مَّعۡرُوشَٰتٖ وَغَيۡرَ مَعۡرُوشَٰتٖ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٖۚ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦ [الانعام: ١٤١]، وفي حديث علي I قال: «وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ»، وروى أبو داود (1579)، والبيهقي (4/94) بإسناد صحيح عن عبد الله بن معاوية الغاضري I قال: قال رسول الله H: «ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ:... وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ»، أي: ترجع عليه كل عام، وصح اشتراطه عن عثمان وعلي L وعن غيرهما، وجاء عن أبي بكر I بإسناد رجاله ثقات.

ويشترط عند جمهور أهل العلم في المال الذي تجب فيه الزكاة: وجود النصاب في جميع الحول، فإن نقص في أثناء الحول عن النصاب، ثم كمل النصاب بعد ذلك؛ فإن الحول يستأنف من جديد بعد استكمال النصاب، ولا عبرة بالمدة الأولى، فظاهر الأدلة وأقوال الصحابة: اشتراط الحول في جميع المال البالغ للنصاب من أوله إلى آخره، وهذا هو الراجح.

وإذا زاد ماله من جنس ما بلغ النصاب، ولم يكن متولدًا عنه؛ فلا زكاة في الزيادة حتى يحول عليها الحول، وهو كذلك مذهب الجمهور، وهو الراجح؛ لظاهر الأدلة، مثلًا: رجل معه 20 دينارًا، وبعد ستة أشهر حصل على 10 دنانير ليست مستفادة من نماء الأول؛ فيزكى على العشرين بعد ستة أشهر، ولا يزكي عن العشرة حتى تبقى عنده عامًا كاملًا، ولا يلزم عليه أن يزكي عليها مع العشرين، لعدم توفر شرط وجوب الزكاة فيها، وهو حولان الحول عليها، لأن هذه الزيادة - وإن أضيفت إلى النصاب - لكنها لم يتحقق شرطها في الزكاة، وهو حولان الحول، وليست من نماء الأول حتى تعتبر بحول أصلها.

المسألة الرابعة: إنقاص النصاب قبل انتهاء الحول لأجل إسقاط الزكاة([7]):

كمن باع بعض ماله، أو استهلكه عند قرب انتهاء الحول، فنقص النصاب فرارًا من الزكاة، وقد اختلف العلماء في وجوب الزكاة عليه في هذه الحالة؛ فالمشهور عند الحنفية والشافعية: عدم وجوب الزكاة عليه؛ لعدم توفر السبب، وهو استمرار النصاب إلى آخر الحول، ولا يكون آثمًا؛ فلم يرتكب محرمًا، لأنه أكل وأهلك بعض ماله بالحلال.

وقال المالكية والحنابلة، وبعض الحنفية، وبعض الشافعية: تلزمه الزكاة في هذا المال ولا تسقط عنه، لأن الحِيَل في الشرع باطلة، ومعاقبة له بنقيض قصده، كمنع الميراث عن القاتل لمورثه لأجل الإرث منه، كما ثبت عن رسول الله، وكتوريث من طلقها زوجها في مرض موته حتى لا ترث منه، كما صح عن عثمان I، ووقاية له من العقاب في الدنيا والآخرة، لأنه يكون آثمًا فهذه الحيلة غير شرعية، وسدًا لذريعة التلاعب بالزكاة، وهو الراجح، والله أعلم.

 

([1]) تلخيص الحبير (2/184).

([2]) علله (4/75).

([3]) تلخيص الحبير (2/165).

([4]) كتاب الأموال لأبي عبيد (ص/501)، المحلى [مسألة] (682، 683)، المغني (4/209)، المجموع شرح المهذب (6/18)، مجموع الفتاوى (25/112)، بداية المجتهد (1/255)، قضايا الزكاة المعاصرة (1/19).

([5]) المغني (3/33)، فتح القدير (2/219)، الفقه الإسلامي وأدلته (3/1821)، قضايا الزكاة المعاصرة (1/30)، نوازل الزكاة (ص/150)، فقه النوازل (ص/231)، صحيح فقه السنة (2/32).

([6]) المجموع شرح المهذب (6/19، 59)، المغني (4/73، 259)، الاستذكار (19/31)، كتاب ا لأموال (ص/501)، الموسوعة الفقهية (23/244).

([7]) الموسوعة الفقهية (23/288)، الفقه الإسلامي وأدلته (3/1978).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=749