2024/12/22
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْمُرُنَا; أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَإِسْنَادُهُ لَيِّنٌ.

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ L قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَأْمُرُنَا; أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَإِسْنَادُهُ لَيِّنٌ.

تخريج الحديث:

حديث سمرة بن جندب: رواه أبو داود (1559) وإسناده ضعيف، ففيه جعفر ابن سعد بن سمرة، ضعيف، وخُبيب بن سليمان، مجهول العين، قال الذهبي: إسناده مظلم لا ينهض بحكم([1]). ا.هـ وجاء بنحوه من حديث أبي ذر I، رواه الدارقطني (2/101)، والحاكم (1/388)، والبيهقي (4/147) وفيه موسى بن عبيدة الربذي، ضعيف، وأيضًا في متنه اختلاف، ففي بعضها: «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ»، وفي بعضها: «وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ».

فقه الحديث:

المسألة الأولى: زكاة العروض التجارية([2]):

العرض: كل ما أعد للتجارة من أي نوع كان، كالثياب والفرش والآلات والأثاث.

وقد ذهب أهل الظاهر إلى عدم وجوب الزكاة في العروض التجارية؛ لأن الأصل براءة الذمة، ولا يؤخذ مال مسلم إلا بدليل شرعي، ولم ينقل عن النبي H أنه أخذ الزكاة فيها، ونحوُه قال الشوكاني والألباني([3]).

وذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب الزكاة في العروض التجارية.

ودليلهم الآتي:

1] العمومات، كقوله D: ﴿ خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: ١٠٣]، وقوله D: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ [البقرة: ٢٦٧], وكقوله H لمعاذ I: «أَنَّ اللَّهَ قَدِ اِفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ»، وهو في الصحيحين، فأوجب الشرع الزكاة في الأموال عامة.

2] دليل خاص، ما جاء في حديث سمرة بن جندب I قال: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ
H يَأْمُرُنَا: أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الذِي نَعُدُّهُ لِلْبَيْعِ»، وجاء من حديث أبي ذر I: الأمر بأخذ الصدقة من البز -وهي الأقمشة-.

3] من ناحية المعنى، وهو أن المراد من هذه التجارة: ابتغاء الربح، وهو الدينار والدرهم، فكانت العروض التجارية في مقامهما.

4] من ناحية المفهوم، فقد جاء في الصحيحين: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ H بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ H:... وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، ومعناه: أن خالدًا قد جعل أدرعه وأعتده وقفًا في
سبيل الله، وذكر الأدرع والعتد يفهم منه: أن الزكاة طلبت من خالد I فيها، وهي لا زكاة فيها أصلًا، إلا أن تكون عروضًا للتجارة.

5] آثار عن الصحابة، فقد ثبت عن عمر وابنه L القول بالزكاة في العروض التجارية، ولا يعلم عن أحد من الصحابة أنه صح عنه خلاف هذا.

6] ندورة المخالف، فلا يعلم الخلاف فيه صريحًا، إلا عن الظاهرية، فكان هذا شذوذًا منهم، وقد شنع بعض أهل العلم عليهم في هذه المسألة.

وما ذهب إليه جمهور أهل العلم هو الراجح بمجموع هذه الأدلة، وعليه علماء اللجنة الدائمة([4]) وابن عثيمين.

وتؤخذ الزكاة فيها في كل عام، بعد جرد كل ما لدى التاجر من سلع تجارية مما حال عليه الحول منها، ومما لم يحل عليه الحول منها، وكان مستفادًا من نماء التجارة، فلا يشترط له حول مستقل، فزكاته على حول أصله.

المسألة الثانية: من أين تؤخذ زكاة العروض التجارية([5]):

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن العروض التجارية عند أخذ الزكاة منها تُقوَّم بالدنانير والدراهم، وتؤخذ زكاتها من القيمة، وقدرها ربع العشر، ولا تؤخذ الزكاة من عينها، وذلك لأن نصاب العروض التجارية يعتبر بالقيمة من دنانير أو دراهم أو عمل ورقية، فتؤخذ الزكاة كذلك بالقيمة، ولأنه الذي جاء عن عمر I.

وذهب الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة إلى أن التاجر بالخيار، فإن شاء أخرجها من العين -السلع- وإن شاء من القيمة، فتخرج من العين قياسًا على بقية أصناف الزكاة التي تخرج الزكاة من جنسها، كالماشية تخرج الزكاة منها، والزروع والثمار تخرج الزكاة من المحصول. ولا بأس بأخذها من القيمة؛ لما جاء عن عمر I.

وما عليه جمهور أهل العلم هو الأرجح، والله أعلم؛ لقوة ما استدلوا به.

المسألة الثالثة: زكاة الدين([6])

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن من كان له دين يرجو سداده أنه يجب عليه زكاته في كل عام؛ لأنه في هذه الحالة في حكم الوديعة، فهو قادر على أخذه والتصرف فيه، ففيه زكاة وإن لم يستلمه إذا بلغ النصاب وحال عليه حول، وأما إذا كان الدين لا يرجى سداده، كما إذا كان الدين عند جاحد أو معسر أو مماطل؛ ففيه أقوال:

القول الأول: لا زكاة عليه؛ لأنه في هذه الحالة في حكم من ليس له مال، فليس هو تحت تصرفه وملكه، ولو أخذه ربما فرقه قبل حولان الحول. وهذا مذهب جماعة من السلف والحنفية، وقول للشافعية، ورواية لأحمد، وقول ابن حزم.

والقول الثاني: تجب فيه الزكاة عن كل السنين، كالدين المرجؤ كسائر ماله ماله، فيدخل في عموم الأدلة، فيمكنه الحوالة به والإبراء منه. وهو مذهب جماعة من السلف، والأظهر عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة.

والقول الثالث: يزكيه إذا قبضه لعام واحد فقط؛ لأنه يقدر على زكاته في هذه الحالة، فأشبه الثمرة التي يجب إخراج زكاتها عند الحصول عليه، وهو مذهب جماعة من السلف والمالكية وبعض الحنابلة، وهو أحسن الأقوال، ورجحه ابن عثيمين، واختارت اللجنة الدائمة القول الأول.

ثم الملي المماطل إذا أمكن صاحب الدين استخلاص مال منه عن طريق الحاكم فلم يفعل؛ فإنه يلزمه زكاته كل سنة؛ لأنه في حكم الدين المرجؤ السداد.

المسألة الرابعة: تأثير الدين على الزكاة([7]):

اختلف العلماء في تأثير الدين في الزكاة؛ فقال جمهور أهل العلم: إن الدين لا يؤثر في الزكاة في الأموال الظاهرة، كالمواشي والمعادن والحبوب والثمار، فلا تسقط الزكاة بسبب الدين، ولا تنقص في هذه الأموال، لأنها موكلة للساعي يأخذها قهرًا، ولم ينقل عن النبي H أنه كان يأمر السعاة باستفصال أصحاب الزكاة هل عليهم دين أم لا.

وقال جماعة من أهل العلم: الدين يمنع الزكاة أو ينقصها في هذه الأموال؛ لما ثبت عن عثمان I أنه قال: «هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تُحَصَّلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ»، وثبت عن ابن عمر L أنه قال في الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه: «يَقْضِي مَا أَنْفَقَ عَلَى أَرْضِهِ وَأَهْلِهِ».

وقال جمهور أهل العلم: الدين سبب لإسقاط الزكاة أو إنقاصها في الأموال الباطنة، كزكاة الذهب والفضة والعُمَل وعروض التجارة؛ لأن الذين يحتاجون إلى قضاء دينهم كحالة الفقراء أو أشد، والصدقة لا تكون إلا عن ظهر غنى، كما ثبت عن النبي H، ولما سبق ذكره عن عثمان وابن عمر M، فيخصم من ماله بقدر دينه، ويزكي عن الباقي إذا بلغ نصابًا.

وقال جماعة من أهل العلم، منهم الظاهرية، وهو الصحيح عند الشافعية: إن الدين لا يمنع الزكاة في هذه الأموال الباطنة أيضًا - كالأموال الظاهرة، فجهة الدين متعلقة بذمته، وجهة الزكاة متعلقة؛ بالمال فلا تعارض بينهما.

والأقرب -والله أعلم- أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة، ولا يمنعها في الأموال الظاهرة، وهو المنقول عن جمهور أهل العلم، وأثر عثمان رضي الله عنهليس صريحًا في أن الدين مانع للزكاة، فيحتمل أن المراد به: سارعوا بقضاء الدين من أموالكم هذه قبل أن تؤخذ الزكاة من جميعها، وأثر ابن عمر L فيه أنه يقضي ما أنفقه، وليس فيه أنه لا زكاة عليه بقدر دينه.

ويشترط في إسقاط الزكاة بالدين: ألا يجد المزكي ما يقضي به الدين إلا ما وجبت فيه الزكاة، فلو كان له مال آخر زائد عن حاجته الأساسية؛ فإنه يجعله في مقابل الدين لكي يسلم المال الزكوي، سواء كان ما يقضي منه من جنس الدين أم من غير جنسه. مثلًا: معه عشرون دينارًا، وعليه دين عشرة دنانير، وله ممتلكات لا زكاة فيها وهي زائدة عن حاجاته الأساسية، قيمتها أكثر من عشرة دنانير، كما لو كان له بيتان فيكفيه واحد، فيجعل هذا الملك الزائد بمقابلة الدين، ويزكي عن عشرين دينارًا، وهذا الشرط منقول عن أكثر أهل العلم، وهو شرط صحيح.

والأفضل: أن لا نجعل الدين مانعًا للزكاة في الأموال الباطنة والظاهرة؛ احتياطًا.

 

([1]) ميزان الاعتدال (1/408).

([2]) المغني (4/249)، المجموع شرح المهذب (6/47)، المحلى [مسألة] (641، 702)، بداية المجتهد (1/269)، فتح الباري (4/96)، مجموع الفتاوى (25/15)، الشرح الممتع (6/140).

([3]) تمام المنة (363).

([4]) فتاواها (9/308).

([5]) المراجع السابقة، والموسوعة الفقهية (23/277).

([6]) المغني (4/269)، كتاب الأموال (ص/526)، المحلى مسألة (696)، مجموع الفتاوى (25/47)، كشاف القناع (4/321)، الموسوعة الفقهية الكويتية (23/238)، الشرح الممتع (6/27)، فتاوى اللجنة الدائمة (9/191).

([7]) المغني (4/263)، ومجموع الفتاوى (25/19، 17)، الموسوعة الفقهية (23/245)، قضايا الزكاة المعاصرة (1/308)، مجموع فتاوى ابن عثيمين (8/40).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=759