2024/12/22
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً,

وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ L قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً, فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا, ثُمَّ يُمْسِكَ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ, اِجْتَاحَتْ مَالَهُ, فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ, وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَومِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ; فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ, فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَابْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ.

تخريج الحديث:

حديث قبيصة بن مخارق I: رواه مسلم (1044) وغيره.

 

 

 

 

فقه الحديث:

المسألة الأولى: من تحمل حمالة لإصلاح ذات البين([1]):

معناه: أن يخاف المرء فتنة بين قبيلتين أو طائفتين أو شخصين من المسلمين، فيستدين مالًا ويصرفه في إصلاح ذات البين وتسكين تلك الفتنة، فإن كان هذا المتحمل للحمالة فقيرًا؛ فيستحق من الزكاة بلا خلاف بين العلماء، لدخوله في سهم الغارمين، وفي حديث قبيصة I قال: «تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ
H أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ -أي عندنا- حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ».

وإذا كان غنيًّا؛ فإنه كذلك - يستحق من الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو المشهور عند الشافعية والحنابلة، وقول بعض المالكية، واختاره ابن حزم، ففي حديث قبيصة I قال رسول الله H: «إِنَّ المَسْألةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً»، وهذا يصدق على الغني والفقير.

وقَوْلُهُ: «فَحَلَّتْ لَهُ المسألة حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكَ» أي: يجوز له أن يسأل من الصدقة قدر ما تحمل ثم يمسك، وهذا يفهم منه: أنه غني؛ إذ لو كان فقيرًا لم يؤمر بالإمساك عن المسألة من الصدقة بمجرد حصوله على ما تحمل، لأنه محتاج للمسألة لفقره، ولأن الناس في المخاصمة والفتنة لا يقبلون إلا ضمان وتحمل من كان غنيًّا.

ومذهب الحنفية: أنه لا يعطى مع الغنى؛ لأن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد إلى الفقراء لا إلى الأغنياء.

المسألة الثانية: إثبات الفقر لمن ادعاه([2]):

قال جمهور أهل العلم: من عرف بالغنى ثم ادعى الفقر؛ فإنه لا يقبل منه إلا ببينة، فلا يعطى من الزكاة إلا إذا أثبتت البينة أنه أعسر، ففي حديث قبيصة I قال النبي H: «وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَومِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ»، فيشهد ثلاثة من ذوي العقول من قومه على أنه أصابته فاقة، وهذا من باب الاستحباب، وإلا فيكفي شاهدان.

وأما من ادعى الفقر، ولا يعرف قبل ذلك بالغنى؛ فيعطى من الزكاة دون طلب بينة، فيكتفى بقوله وينصح ويوعظ إذا كان ظاهره الصحة والقوة، وقد سبق أن رجلين سألا النبي H من الصدقة، فنظر فيهما، فرآهما جلدين أي: قويين قادرين على الكسب -؛ فقال: «إِنْ شِئْتُمَا» أي أعطيتكما، ولم يطلب منهما البينة ولا اليمين، ثم وعظهما لما رآهما قويين فقال لهما: «وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»، وأما إذا كان ظاهره عدم القدرة على الكسب -كشيخ هرم وشاب ضعيف-؛ فلا يحتاج إلى وعظ ونصح، إذ لا ريبة هنا.

وهذا التفصيل الذي عليه جمهور أهل العلم، هو الراجح.

 

([1]) تفسير القرطبي (8/183)، المغني (9/326)، المحلى [مسألة] (720)، المجموع شرح المهذب (6/206)، مجموع الفتاوى (28/274).

([2]) المجموع شرح المهذب (6/195)، المغني (9/311)، قضايا الزكاة المعاصرة (1/378)، منحة العلامة (4/503).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=773