وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ I قَالَ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ H. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا, وَوَصَلَهُ الْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ.
(652) 03- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ L قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ H يَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا, وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا, فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: «فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ».
وَلِلْبُخَارِيِّ: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ».
(653) 04- وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ I: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ».
تخريج الأحاديث:
حديث عمار بن ياسر L: رواه البخاري (5/238) معلقًا، ورواه موصولًا أبو داود (2334)، والنسائي (4/152)، والترمذي (686)، وابن ماجه (1645)، عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار I، ولم نجده في ”مسند أحمد“، وله حكم الرفع لقوله: «فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ H»، وأبو إسحاق مدلس وقد عنعنه، وذكره بعض الرواة عن أبي إسحاق قال: حدِّثت عن صلة - فلا يعرف من حدث أبا إسحاق([1]) -. وله طريق أخرى بنحوه رواها ابن أبي شيبة (2/323)، وعبد الرزاق (8/73)، وهي موقوفة، وفي إسنادها راو مبهم، فالأقرب أن هذا الحديث لا يثبت، والله أعلم.
حديث ابن عمر L:
اللفظ الأول: رواه البخاري (1906)، ومسلم (1080).
واللفظ الثاني: رواه مسلم (1080)، واللفظ الثالث رواه البخاري (1907).
حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (1909) باللفظ المذكور في الكتاب، ولفظة «شعبان» في هذا الحديث مدرجة من قول بعض الرواة، كما ذكره بعض الحفاظ، والمشهور فيه بلفظ: «فعدوا ثلاثين» بدون ذكر «شعبان»([2]).
فقه الأحاديث:
أجمع العلماء على أن الناس إذا رأوا هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان أن اليوم التالي هو الأول من شهر رمضان، وليس الثلاثين من شعبان.
وإذا رآه أهل بلدة؛ فهل يلزم سائر البلدان الصوم؟
فيه خلاف بين العلماء، وأشهر الأقوال فيه قولان:
القول الأول: مذهب جمهور أهل العلم: يلزم على سائر الناس في جميع البلدان الصوم لقوله H: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ»، وقال أيضًا: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا»، والخطاب هنا عام للجميع مقيد بالرؤية، فإذا رُئِي الهلال صام جميع المسلمين.
القول الثاني: الأصح عند الشافعية، ووجه للحنفية والحنابلة، وقول بعض المالكية: لا يلزم الصوم إلا على البلدان التي تشترك مع هذه البلدة بمطلع الهلال، ولا يلزم الصوم على سائر البلدان، لأن مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة، فإذا رآه أهل مطلع لزم سائر البلدان التي تشترك معها بمطلع الهلال أن تصوم، كما تختلف مطالع الشمس، فيختلف طلوع الفجر وغروب الشمس باختلاف البلدان، مما يؤثر في الإمساك والإفطار ومواقيت الصلاة، فكذلك في ظهور الهلال.
وقد جاء في صحيح مسلم أن كريبًا I قال: «سَأَلَنِي عَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ L ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟، فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟، فَقُلْتُ: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ –أي: في المدينة- لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ، فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ الله H »، فلم يصم أهل المدينة لرؤية أهل الشام التي كانت قبلهم، ولم يأخذ ابن عباس L برؤية أهل الشام، وذكر ابن عباس L أن هذا هو أمر النبي H، فلا يصح أن يقال: هذا من اجتهاد ابن عباس L، وهو الأرجح، فقد دل عليه الشرع والعقل، وهذه المسألة من المسائل التي للاجتهاد فيها مجال، فيكون الاختيار في كل بلدة بحسب نظر علمائها.
ويرى الشيخ ابن باز والشيخ الألباني -رحمهما الله- أن يكتفي كل مسلم برؤية أهل بلده، ولا يختلف عليهم؛ لعدم توحُّد المسلمين في هذا الأمر، فلا يفترق عنهم لرؤية أهل بلد آخر، وهو اقتراح حسن([4]).
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: إكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا، ويحرم صوم هذا اليوم، ففي حديث ابن عمر L: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»، أي: فاحسبوا له، وفي رواية لمسلم: «فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ»، وفي رواية: «فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ»، وهذا أصرح، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة I: «فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ، فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ»، وفي رواية: «فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ».
وعن عمار بن ياسر L قال: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ النَّاسُ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ»، وهذا يوم مشكوك فيه، فصومه معصية.
وذهب بعض السلف وهو المذهب عند الحنابلة أنه يصام بنية أنه من رمضان؛ احتياطًا؛ لاحتمال أن الهلال قد طلع، ومنع من رؤيته: وجود الغيم أو نحوه، وهذا القول مردود؛ لمخالفته لظاهر الأدلة السابقة.
([1]) تغليق التعليق (3/141) لابن حجر.
([2]) كتاب الصيام من شرح العمدة لابن تيمية (1/119)، فتح الباري (4/616).
([3]) المجموع شرح المهذب (6/273)، المغني (4/328)، بداية المجتهد (1/287)، مجموع الفتاوى (25/103)، فتح الباري (4/619)، حاشية ابن عابدين (3/324)، مواهب الجليل (2/9).
([4]) فتاوى ومقالات ابن باز (15/98،78)، تمام المنة (ص/398).
([5]) بداية المجتهد (1/384)، المجموع شرح المهذب (6/270)، المغني (4/330)، فتح الباري (4/616)، الإنصاف (3/269).