وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ L قَالَ: رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ, وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ, وَالْحَاكِمُ, وَصَحَّحَاهُ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عباس L: رواه الدارقطني (2/205)، والحاكم (1/440) وصححاه، وهو كما قالا، وقد رواه أبو داود (2318) أيضا بنحوه بإسناد صحيح.
فقه الحديث:
قال جمهور أهل العلم: من عجز عن الصوم إما لكبر سنه أو لمرض مُزْمِن فيه لا يرجو برؤه ولا يقدر على الصوم بسببه؛ أنه يجب عليه فدية طعام مسكين، فيطعم عن كل يوم أفطره مسكينًا، فقد جاء عن ابن عباس L أنه قال: «رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ، وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا».
وقوله: «رُخِّصَ» يحتمل أنه أخذه من رسول الله H؛ فيكون نصًّا في المسألة، ويلحق به المريض المزمن -حتى ولو كان شابًّا-.
ويحتمل أن قوله: «رُخِّصَ» استنبطها من بعض الأدلة، وقد وافقه الصحابة على هذا الحكم، ولا يعلم فيه خلاف عندهم؛ فكان حجة.
وقد جعل الله الإطعام عديلًا للصوم، فكان المسلم في البداية مخيرًا بين الصوم والفدية، قال : ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖ... الآية﴾ [البقرة: ١٨٤]، فيكون الإطعام – كذلك - بدلًا عن الصوم في حالة العجز عنه، وهو الراجح.
الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يلزم على العاجز عن الصوم إطعام عدد من المساكين بعدد الأيام التي أفطرها، فيكفي أن يطعم بعض المساكين، ولو مسكينًا واحدًا بعدد الأيام التي أفطر، فقد قال تعالى: ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖ ﴾ [البقرة: ١٨٤]، وفي قراءة ثابتة: «فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ» هكذا بالجمع، وليس في القراءتين تحديد عدد، وقراءة الجمع لعل المراد منها بيان جنس من يستحق أن يعطى الفدية وهم المساكين، كقوله : ﴿ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ ﴾ [التوبة: ٦٠]، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو قول للحنفية.
ويعطي عن اليوم الواحد الذي أفطره نصف صاع من طعام على الراجح من أقوال أهل العلم، ونصف الصاع يساوي كيلو ونصف تقريبًا، ولا بأس أن يطعم عن كل يوم مسكينًا من الطعام النفيس المطبوخ بشرط الإشباع، فقد ثبت عن أنس I أنه عجز عن الصوم في آخر عمره، فأفطر رمضان، ودعا ثلاثين مسكينًا فأطمعهم لحمًا وخبزًا، وفي رواية: «ووضع الجفان».
الصحيح من أقوال أهل العلم: أن الإطعام يبقى في ذمته إلى حين اليسار، ولا يسقط عنه، كمن أفطر لعذر وهو يقدر على القضاء؛ فيلزمه القضاء متى قدر عليه، فكذلك يلزم الإطعام على من وجب عليه متى قدر عليه، وهذا هو المذهب عند الشافعية والحنابلة.
([1]) بداية المجتهد (1/301)، المجموع شرح المهذب (6/258)، المحلى مسألة (770)، المغني (4/395)، كتاب الصيام من شرح العمدة (1/258).
([2]) المجموع شرح المهذب (6/372)، تفسير الطبري (3/440)، الإنصاف (3/291)، حاشية ابن عابدين (3/366).
([3]) المجموع شرح المهذب (6/259)، المغني (4/396)، الإنصاف (3/291).