وَعَنْ عَائِشَةَ J ; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث عائشة: رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147).
فقه الحديث:
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يجوز تفريق الأيام عند قضاء ما أفطره الصائم من رمضان، ولا يجب فيها التتابع، لقوله : ﴿ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: ١٨٤]، فلم يشترط فيها التتابع، وروى الدارقطني (2/193) عن عبد الله بن عمرو L قال: «سُئِلَ النَّبِيُّ H عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: يَقْضِيهِ تِبَاعًا، وَإِنْ فَرَّقَهُ أَجْزَأَهُ»، وإسناده ضعيف جدًّا، وما جاء عن أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلا يَقْطَعْهُ»؛ فإسناده ضعيف جدًّا، رواه الدارقطني (2/192)، والبيهقي (4/259) وضعفاه.
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا يجب قضاء رمضان بعد عيد الفطر مباشرة، فيجوز تأخير القضاء إلى شهر شعبان، فوقت القضاء على التراخي، لقوله : ﴿ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: ١٨٤]، وهذا مطلق ولم يقيد بزمن معين، ولما جاء في الصحيحين عن عائشة J قالت: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ»، فلو كان القضاء واجبًا على الفور؛ لم تؤخره عائشة رضي الله عنها إلى شعبان، وفعلها هذا كان في عهد النبي H، ولم ينكر عليها.
وإذا أخّر القضاء حتى انتهى شهر شعبان لغير عذر؛ فإنه يكون آثمًا عند جمهور أهل العلم، وهو الراجح؛ لأنه أخّره حتى جاء وقت الفرض الثاني، كما لو أخر الصلاة حتى جاء وقت الفريضة الثانية، والأصل أن الأمر بفعل عبادة يكون على الفور، ولو لا أن عائشة J كانت تؤخر القضاء إلى شعبان ولم ينكر عليها رسول الله H؛ لَمَا جاز تأخيره، فلا يجوز تأخيره بغير عذر أكثر من ذلك، ويبقى القضاء في ذمته.
ولا تجب عليه كفارة مع القضاء، فقد قال : ﴿ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: ١٨٤]، ولم ينص على الكفارة مع القضاء على من أخره لغير عذر، ولم يأت نص من الشرع يدل على وجوب فدية إطعام على من أخّر قضاء الصوم، وإن كان آثمًا بسبب تأخيره.
وأما ما رواه أبو هريرة I عن النبي H أنه قال: «مَنْ فَرَّطَ فِي صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يُدْرِكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ فَلْيَصُمْ هَذَا الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ لِيَصُمْ مَا فَاتَهُ، وَيُطْعِمُ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا»، رواه الدارقطني (2/197)، والبيهقي (4/253) وضعفاه، وهو كما قالا، وقد ثبت هذا عن بعض الصحابة، وهو اجتهاد منهم، فيعمل به على سبيل الاستحباب، وهذا مذهب طائفة من السلف، ومذهب الحنفية والظاهرية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة، وهو الأرجح.
ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة: أنه يجب على كل يوم مع القضاء إطعام مسكين؛ لحديث أبي هريرة السابق، ولأنه صح عن بعض الصحابة ولا مخالف لهم.
له صورتان:
الأولى: أن يعجز عن قضاء صومه لاستمرار العذر فيه حتى أدركه الموت.
هذا لا شيء عليه، فلا يصوم عنه وليه، ولا يطعم عنه؛ لأنه مات قبل إمكان فعله فسقط عنه، وقد قال الله : ﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، فلم يكن في وسعه الصوم، فلم يكلَّف به، وإذا لم يكلَّفه فقد مات ولا صوم عليه، وهذا مذهب الجمهور، وهو الراجح.
الثانية: إذا تمكن من قضاء الصوم، ولم يفعله حتى مات.
الأظهر من أقوال أهل العلم: أنه يشرع لوليه أن يصوم عنه، سواء كان صوم قضاء أو صوم نذر أو صوم كفارة، وهو مذهب طائفة من السلف والظاهرية وأصحاب الحديث، وهو قول عند الشافعية، قال النووي: «وهو المختار»، واختاره ابن باز وابن عثيمين؛ لما جاء أن النبي H قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، وهذا عام؛ فيشمل كل صوم وجب على المسلم صومه ولم يصمه وهو قادر على صومه، ولا يقدح في هذا الحديث ما روي عن عائشة J أنها كانت تقول: «يطعم عنه ولا يقضى عنه»؛ لأمرين:
وخص الحنابلة القضاء على الميت بصوم النذر دون غيره؛ لما جاء في الصحيحين عن ابن عباس L أن امرأة قالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟،... قَالَ: صُومِي عَنْ أُمِّكِ»، ولا حجة لهم بهذا الحديث؛ لأنها واقعة عين، وليس مخصصًا لعموم حديث عائشة J؛ بل هو من ذكر بعض أفراد العام، وصورة من صور العموم.
وقضاء الولي عن الميت لا يجب عليه عند كافة العلماء، ما عدا الظاهرية؛ لقوله : ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ ﴾ [الانعام: ١٦٤]، فإذا أوجبناه عليه ثم ترك؛ فإنه يقع في الوزر بوزر غيره، فله أن يطعم عنه بدل الصوم عنه.
لا خلاف بين العلماء الذين يقولون بمشروعية قضاء الصوم عن الميت أن القريب الوارث يقضي عن ميته، كما يرث منه.
واختلفوا في القريب الذي لا يرث، والأصح أنه يقضي عنه، فهو من أوليائه، والوارث أولى منه، وهذا قول بعض الشافعية، وبعض الحنابلة، وقول ابن حزم، واختاره الشيخ ابن باز([5]).
وذهب جماعة من الحنابلة وبعض الشافعية إلى أنه خاص بالقريب الوراث.
([1]) المجموع شرح المهذب (6/367)، المغني (4/408).
([2]) تفسير القرطبي (1/282)، المجموع شرح المهذب (6/364)، المغني (4/400)، المحلى مسألة (767)، الإنصاف (3/333)، المبسوط للسرخسي (3/71)، الشرح الممتع (6/444).
([3]) المجموع شرح المهذب (6/370)، المغني (4/398)، المحلى مسألة (775)، فتح الباري (4/706)، الإنصاف (3/334)، الشرح الممتع (6/449)، فتاوى ابن باز (15/366).
([4]) المجموع شرح المهذب (6/368)، المغني (4/400)، المحلى مسألة (776)، فتح الباري (4/707)، الإنصاف (3/336).
([5]) فتاواه (15/365، 373).