وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ L عَنِ النَّبِيِّ H قَالَ: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي, وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ, إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(690) 11- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ L قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ, إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ, أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديثين:
الحديث الأول: من حديث أبي هريرة I، رواه مسلم (8/16) عن ابن سيرين عن أبي هريرة I، وقد أعله جماعة من الحفاظ منهم أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني، ورجحوا أنه عن ابن سيرين عن أبي الدرداء، وهذا منقطع؛ لأن ابن سيرين لم يسمع من أبي الدرداء، ومسلم إنما أخرجه في المتابعات([1]).
الحديث الثاني: أيضا من حديث أبي هريرة I، رواه البخاري (1985)، ومسلم (1144).
فقه الحديثين:
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه منهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم، فقد قال النبي H قال: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ»، فنهى عن إفراده بصوم إلا أن يصام قبله أو بعده، وفي البخاري عن جويرية أم المؤمنين J: «أَنَّ النَّبِيَّ H دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَأَفْطِرِي».
واختلفوا في هذا النهي، فقال أكثر أهل العلم: هو للكراهة فقط.
وقال بعض السلف، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة، وبعض المحققين كابن حزم وابن تيمية: هو نهي للتحريم؛ لأنه نهي مطلق، ولا صارف له إلى الكراهة، وهو الراجح.
وروى أحمد (1/406)، وأبو داود (2450) وغيرهما عن ابن مسعود I قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ، وَقَلَّمَا يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»، وإسناده حسن، وهذا يحمل على أنه H كان يصوم قبله أو بعده ولا يفرده بالصوم، أو أنه كان يصوم الجمعة إذا صام ثلاثة أيام من كل شهر كما كانت عادته، أو إذا كان يسرد الصوم، كما كان يفعله في بعض الأشهر كشعبان، أو إذا صام يومًا وأفطر يومًا، اقتداء بصوم داود S، أو خاص به؛ جمعًا بين الأدلة، وأحاديث النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم أكثر وأصح من هذا الحديث.
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا يُنهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم في هذه الحالة، كما إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم عاشوراء إذا أفرده، أو كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فلن يصوم اليوم الذي قبل الجمعة أو بعده، أو نذر صوم يوم فوافق يوم الجمعة، مثلا يقول: «إذا شفى الله مريضي صمت ذلك اليوم»، فشفي ليلة الجمعة.
ولهم دليلان:
الدليل الأول: دليل خاص، ما جاء عن النبي H أنه قال: «لَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» رواه مسلم.
الدليل الثاني: دليل عام، فقد رغب النبي H بصيام داود وبصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء ترغيبًا عامًّا، ولم يستثنِ يوم الجمعة.
([1]) علل الدارقطني (8/128)، علل ابن أبي حاتم (1/198).
([2]) المجموع شرح المهذب (6/436)، الاستذكار (10/260)، المحلى مسألة (795)، كتاب الصيام من شرح العمدة (2/652)، فتح الباري (4/757)، الإنصاف (2/347).
([3]) انظر المراجع السابقة.