وَعَن عائشة: أَنَّ النَّبِيَّ H كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ, حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ, ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث عائشة J: رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).
فقه الحديث:
أجمع العلماء على أن الاعتكاف سنة وليس بواجب، وقد اعتكف النبي H واعتكف أزواجه، ولم يأمر به النبي H، ومن أوجبه على نفسه بنذر؛ فإنه يجب عليه الوفاء به، ففي الصحيحين أن عمر I نذر في الجاهلية أن يعتكف يومًا، فقال له لنبي H: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ»، فأمره بالوفاء به، وهذا للوجوب.
ومن شرع في اعتكاف نافلة؛ فلا يجب عليه إتمامه، وله قطعه، لأنه لم يجب عليه ابتداء؛ فلم يجب عليه إتمامه، ويستحب له القضاء، فمن نوى أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان كاملة، فاعتكف بعضها ثم ترك لغير عذر؛ فلا يأثم، ويستحب له أن يقضي ما تركه من الاعتكاف في شهر شوال، ففي الصحيحين عن عائشة J: «كَانَ النَّبِيُّ H يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ،... فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ H رَأَى الْأَخْبِيَةَ،... فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ»، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو رواية للحنفية، وهو الصحيح.
يشرع الاعتكاف في أي وقت من السنة كما نص عليه أهل المذاهب الأربعة، فقد قال تعالى: ﴿ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ ﴾ [البقرة: ١٢٥]، وهذا عام في كل وقت، وأمر النبي H عمر I بالوفاء بنذر الاعتكاف، ولم يقيده بزمن معين، فقال له: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان هو أفضل من اعتكاف أي وقت آخر، وهو سنة مؤكدة، فقد واظب النبي H على الاعتكاف فيها.
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يسَنُّ للمرأة الاعتكاف إذا أُمِنت الفتنة، كما يسَنُّ للرجال، فقد أذن النبي H لبعض نسائه أن يعتكفن معه، كما في الصحيحين، وكانت أزواجه يعتكفن بعد وفاته.
وتعتكف المرأة في المسجد العام كالرجل، وإذا اتخذت لها مسجدًا في بيتها تصلي فيه، فلا يصح لها أن تعتكف فيه، فقد قال الله : ﴿ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِ ﴾ [البقرة: ١٨٧]، فيشمل الرجل والمرأة، وموضع صلاة المرأة في بيتها ليس بمسجد حقيقة؛ لأنه لم يبن أصلًا للصلاة فيه، وإنما سمي مسجدًا من باب التجوز، كقوله H: «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا»، وكان نساء النبي H يعتكفن في المسجد.
([1]) المجموع شرح المهذب (6/474)، المغني (4/455-457)، فتح الباري (4/805)، الاستذكار (10/305)، حاشية ابن عابدين (3/386).
([2]) المجموع شرح المهذب (6/475، 489)، فتح القدير (2/389)، الاستذكار (10/320)، الإنصاف (3/353)، نيل الأوطار (3/221)
([3]) المجموع شرح المهذب (6/484)، المغني (4/464).