عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ L; أَنَّ النَّبِيَّ H وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ, وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ, وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ, وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمَ, هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ, وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ, حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(723) 02- وَعَنْ عَائِشَةَ L: أَنَّ النَّبِيَّ H وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ.
(724) 03- وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إِلَّا أَنَّ رَاوِيَهُ شَكَّ فِي رَفْعِهِ.
(725) 04- وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي وَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ.
(726) 05- وَعِنْدَ أَحْمَدَ, وَأَبِي دَاوُدَ, وَالتِّرْمِذِيِّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ H وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ.
تخريج الأحاديث:
الحديث الأول: حديث ابن عباس L، رواه البخاري (1522)، ومسلم (1181).
الحديث الثاني: حديث عائشة J، رواه أبو داود (1716)، والنسائي (5/123)، ورجال إسناده ثقات، ولكن أنكر هذا الحديث الإمام أحمد والإمام مسلم([1])، وصححه بعض العلماء؛ اعتمادًا على ظاهر السند([2]).
الحديث الثالث: حديث جابر I: «وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ» رواه مسلم (1183) وشك راويه في رفعه، فهو عن أبي الزبير أنه سمع جابرًا يُسأل عن المُهَل، فقال أبو الزبير: «أحسبه رفع إلى النبي H »، أي: أظنه، ثم ذكر الحديث. وجاء من طرق ضعيفة عن أبي الزبير فيها الجزم برفعه عن النبي H، رواها أحمد (2/181)، (3/336)، وابن ماجه (2/172). ولهذا الحديث شواهد أخرى فيها ضعف يتقوى الحديث بها، قال المصنف: «صححه الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية، والحديث بمجموع الطرق يقوى([3])». اهـ.
الحديث الرابع: رواه البخاري (3531) عن ابن عمر عن عمر I، موقوفا عليه: «فَحَدَّ لَهُمْ -لأهل العراق- ذَاتَ عِرْقٍ».
الحديث الخامس: حديث ابن عباس L، رواه أحمد (1/344)، وأبو داود (1737)، والترمذي (832) وإسناده ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد ضعيف، وفيه انقطاع أيضًا.
فقه الأحاديث:
أجمع العلماء على أن ميقات أهل المدينة ومن جاء من جهتهم: «ذو الحليفة»، وميقات أهل الشام ومصر ومن جاء من جهتهم «الجحفة»، وميقات أهل اليمن ومن جاء من جهتهم «يلملم»، وميقات أهل نجد ومن جاء من جهتهم «قرن المنازل».
واختلفوا في ميقات أهل العراق، والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن ميقات أهل العراق ومن جاء من جهتهم «ذات عرق»، لأنه الذي نص عليه النبي H، وعلى فرض عدم ثبوته عنه؛ فقد ثبت تعيينه عن عمر I، وعمل به الصحابة، وجاء عن ابن عباس L، أن النبي H وقت لهم «العقيق»، ولا يثبت عنه.
ولا خلاف بين العلماء أن من كان في مكة وأراد الحج؛ فميقاته «مكة» يحرم منها، سواء كان من أهل مكة أم لم يكن من أهلها، فعن النبي H قال: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ»، وفي رواية: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا».
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن من كان في مكة وأراد العمرة؛ فإنه لا يحرم من مكة، وإنما يخرج إلى الحل، ولا يلزمه أن يذهب إلى الميقات؛ لما جاء في الصحيحين أن عائشة J أرادت أن تعتمر، وكانت في مكة مع النبي H في حجة الوداع، فأمر أخاها أن يعتمر بها من «التنعيم»، وهو أقرب الحل إلى الحرم.
ومن كان بين الميقات ومكة؛ فعامة أهل العلم أنه يحرم من موضعه، فما بين الميقات ومكة يعتبر ميقاتًا، فقد قال رسول الله H: «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ».
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يجب عليه أن يرجع إلى الميقات ويحرم منه، سواء تجاوزه عالمًا أم جاهلًا، ذاكرًا أم ناسيًا، فإن أحرم من مكانه ولم يرجع إلى الميقات؛ فإنه يأثم ويصح حجه أو عمرته، لأن الإحرام منها قبل تجاوزها واجب، ففي البخاري عن ابن عمر L قال: «فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ H لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا »، والفرض الواجب، وفي مسلم عن ابن عمر L قال: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ H أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ»، والأمر يقتضي الوجوب، وأما صحة الحج أو العمرة؛ فلعدم وجود دليل يدل على بطلانهما.
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يحرم من موضعه الذي نوى فيه الحج أو العمرة، ولا يلزمه أن يرجع إلى ميقات بلده، فما بين مكة والميقات ميقات لمن كان فيها وأراد الحج والعمرة، وفي حديث ابن عباس L: «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ».
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الإحرام يصح مع الكراهة، فقد روى الإمام أحمد (1/14)، وأبو داود (1796) بإسناد صحيح عن الصبي بن معبد I أنه: «انْطَلَقَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْحَوَائطِ أَهَلَّ بِهِمَا -بحج وعمرة- جَمِيعًا، فَرَآهُ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَقَالَا: لَهُوَ أَضَلُّ مِنْ جَمَلِهِ، أَوْ: مَا هُوَ بِأَهْدَى مِنْ نَاقَتِهِ، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهِمَا، فَقَالَ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ»، والحوائط: منطقة قبل الميقات، وأقره عمر I على إحرامه منه، ولما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أُذَينَة قال: أتيت عمر فقلت: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا آتِيكَ حَتَّى رَكِبْتُ الْإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالسُّفُنَ، فَمِنْ أَيْنَ أُهِلُّ؟ قَالَ: ائْتِ عَلِيًّا فَاسْأَلْهُ، فَأَتَى عَلِيًّا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مِنْ حَيْثُ أَبْدَأْتَ، فَرَجَعَ إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ لَكَ إلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ»، وصح عن ابن عمر L أنه أهل من بيت المقدس.
ويكره الإحرام من قبل الميقات، فرسول الله H وأصحابه M في زمنه إنما أهلوا من ميقاتهم ذي الحليفة.
([1]) تهذيب التهذيب (1/367)، التمييز (ص/15).
([2]) ميزان الاعتدال (1/274)، الإرواء (999).
([3]) فتح الباري (4/167).
([4]) المجموع شرح المهذب (7/195، 203)، المغني (5/57-59)، بداية المجتهد (1/324)، فتح الباري (4/163).
([5]) الاستذكار (11/84)، شرح مسلم (8/67)، فتح الباري (4/164).
([6]) شرح مسلم (8/67)، المغني (5/70)، الإنصاف (3/429).
([7]) الاستذكار (11/80)، المجموع شرح المهذب (7/200)، المغني (5/65)، فتح الباري (4/159، 206).