وَعَنْ عَائِشَةَ J قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ H لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ, وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث عائشة J: رواه البخاري (1539)، ومسلم (1189).
فقه الحديث:
أجمع العلماء على أن المحرم والمحرمة ممنوعان من الطيب، ففي الصحيحين - في المحرم الذي وقصته راحلته - قال رسول الله H: «لَا تُحَنِّطُوهُ»، وفي رواية لمسلم: «وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ»، فلما منع الميت منه لإحرامه فالحي أولى.
والطيب: هو ما تطيب رائحته ويتخذ للشم، كالمسك والعنبر والبخور.
وأما الصابون الذي له رائحة، إن كانت رائحته من الطيب كالورد؛ فلا يستخدمه المحرم، وإن كانت رائحته من غير الطيب كالنعناع؛ فلا بأس للمحرم باستخدامه، فلم ينه الشرع المحرم عن مس ما كان له رائحة طيبة مطلقًا، وإنما نهاه عن الطيب خاصة.
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يستحب التطيب قبل الإحرام، ولو بقت رائحته في البدن بعد الإحرام، إذا لم تكن الرائحة في الملبس؛ لما جاء عن عائشة J أنها قالت: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ H لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ»، وفي الصحيحين عنها قالت: «إِنْ كُنْتُ لَأَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ H وَهُوَ مُحْرِمٌ»، وفي رواية لمسلم عنها قالت: «ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا». وهذا سنة عامة لكل محرم، وليست خاصة برسول الله H؛ لأن الخصوصية لا تثبت إلا بالدليل، ولا دليل عليها هنا، وقد روى أبو داود (383) وغيره عن عائشة J قالت: «كُنَّا نَضْمَخُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ قَبْلَ أَنْ نُحْرِمَ، ثُمَّ نُحْرِمُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ H فَنَعْرَقُ فَتَسِيلُ عَلَى وُجُوهِنَا، فَلا يَنْهَانَا عَنْهُ النَّبِيُّ H »، وإسناده صحيح، وفي الصحيحين عن يعلى بن أمية I قال: جاء رجل إلى النبي H فقال: «يَا
رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ؟... فَقَالَ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ، فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا»، وهذا الذي في حديث يعلى I كان في عمرة الجعرانة، وهي في السنة الثامنة، وما ذكرته عائشة J كان في حجة الوداع في السنة العاشرة، فيكون ناسخًا لحديث يعلى I، لأنه آخر الأمرين، وقد جاء في الصحيحين في رواية في حديث يعلى I أن الرجل قال: «وَأَنَا مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ»، والخلوق: هو الزعفران. وهو منهي عنه للرجال مطلقًا، فلعله أمره بغسله لهذا السبب.
([1]) المجموع شرح المهذب (7/221)، المغني (5/77).
([2]) المجموع شرح المهذب (7/221)، المغني (5/140)، المحلى مسألة (825)، فتح الباري (4/178).