2024/12/23
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ فِي قِصَّةِ صَيْدِهِ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ, وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ, قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ, وَكَانُوا مُحْرِمِينَ:

- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ L فِي قِصَّةِ صَيْدِهِ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ, وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ, قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ H لِأَصْحَابِهِ, وَكَانُوا مُحْرِمِينَ: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ?» قَالُوا: لَا. قَالَ: «فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(735) 08- وَعَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ L: أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ H حِمَارًا وَحْشِيًّا, وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ, أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تخريج الحديثين:

حديث أبي قتادة I: رواه البخاري (1821) ومسلم (1196).

وحديث الصعب بن جثامة I: رواه البخاري (1825)، ومسلم (1193).

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: صيد المحرم([1]):

أجمع العلماء على أن المحرم بحج أو عمرة إذا قتل صيد البر كالغزال والحمار الوحشي عامدًا ذاكرًا لإحرامه؛ أنه يأثم، لقول الله : ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗا [المائدة: ٩٦].

وعليه: عند عامة أهل العلم الجزاء المذكور في قوله : ﴿ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعمدًا فَجَزَآءٞ مِّثۡلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحۡكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ هَدۡيَۢا بَٰلِغَ ٱلۡكَعۡبَةِ أَوۡ كَفَّٰرَةٞ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أَوۡ عَدۡلُ ذَٰلِكَ صِيَامٗا [المائدة: ٩٥]، وهذا الجزاء على التخيير عند جمهور أهل العلم، لأن حرف (أو) يفيد التخيير.

ومعنى قوله: ﴿ مِّثۡلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ أي: المماثل للصيد في الصورة والخلقة من النعم، وهي الإبل والبقر والغنم.

ومعنى قوله: ﴿ أَوۡ كَفَّٰرَةٞ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أي" يقَوَّم المثل أو الصيد طعامًا، ثم يتصدق به على المساكين.

وقوله: ﴿ أَوۡ عَدۡلُ ذَٰلِكَ صِيَامٗا معناه: يقوَّم الطعام بالمد، قال جماعة من أهل العلم: فيصام عن كل مد من الطعام يومًا. وقال جماعة آخرون: يصام عن كل نصف صاع من الطعام يومًا، وهذا أيسر، ونقل عن ابن عباس L.

وأجمعوا على أن المحرم إذا قتل صيد البر خطأ أو نسيانًا؛ أنه لا يأثم، قال الله: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا [البقرة: ٢٨٦]، وقال الله D: ﴿ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ [الأحزاب: ٥]، والمخطئ: هو الذي يقصد شيئًا فيصيب صيدًا. والناسي: هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه.

واختلفوا في الجزاء عليه؛ فقال الجمهور: يلزمه الجزاء كالعامد.

وقوله في الآية: ﴿ مُّتَعمدًا خرج مخرج الغالب، وليس شرطًا للجزاء؛ إذ الغالب ألا يقتل المحرم صيدًا إلا عامدًا، فلو قتله ناسيًا أو مخطئًا عليه جزاء أيضًا.

وقال بعض السلف والظاهرية وأحمد في رواية، وبعض الشافعية: لا جزاء عليه؛ لأن الله E خص المتعمد بالجزاء دون غيره، فقال: ﴿ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعمدًا [المائدة: ٩٥]، والأصل براءة الذمة من الغرم إلا بدليل واضح، وهو الأظهر.

وأجمع العلماء على جواز صيد البحر للمحرم، قال الله : ﴿ أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ [المائدة: ٩٦].

المسألة الثانية: أكل المحرم لصيد المحل([2]):

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم، أن المحل إذا صاد شيئًا لأجل المحرم لم يحل له، وإذا لم يصده لأجله حل له؛ جمعًا بين الأدلة، فامتنع النبي H من أكل الحمار الوحشي الذي اصطاده الصعب بن جثامة I، وقال: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ»، فيحمل على أنه صيد لأجله، وأكل من الحمار الوحشي الذي صاده أبو قتادة I، فيحمل على أنه لم يصَد لأجله، وقد جاء في حديث أبي قتادة I إشارة لهذا المعنى، فقد قال H: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ»، وروى الإمام أحمد (3/362)، وأبو داود (1848)، والنسائي (5/187)، والترمذي (846) عن جابر I قال: قال رسول الله H: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ»، والصحيح أن هذا الحديث عن المطلب بن حنطب عن جابر I، والأرجح أنه لم يسمع من جابر I، لكنه صح عن عثمان بن عفان I، وهو قول أكثر العلماء، فيرتقي بهما إلى درجة الحسن، فيتعين الأخذ به، وهو نص صريح لمذهب الجمهور.

 

([1]) المغني (5/395-417)، المحلى مسألة (878، 879)، المجموع شرح المهذب (7/438)، أضواء البيان (2/137)، فتح الباري (4/490).

([2]) المجموع شرح المهذب (7/301، 324)، المغني (4/505)، زاد المعاد (2/165)، فتح الباري (4/505) الشرح الممتع (7/171).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=836