وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَجَّ, فَخَرَجْنَا مَعَهُ, حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ, فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ, فَقَالَ: «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ, وَأَحْرِمِي».
وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمَسْجِدِ, ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ, إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ, لَا شَرِيكَ لَكَ».
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ, فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا, ثُمَّ أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى, ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ.
تخريج الحديث:
حديث جابر I: رواه مسلم (1218)، وهو أتم حديث في ذكر صفة حج النبي H.
فقه الفقرة الأولى من الحديث:
الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الأفضل الاقتصار على التلبية التي جاءت عن النبي H، وهي قوله: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ»، ولا بأس بالزيادة عليها بما جاء عن بعض الصحابة، فقد ثبت في صحيح مسلم عن عمر وابنه L أنهما كانا يزيدان عليها: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ لَبَّيْكَ»، وثبت عن ابن عمر L أنه كان يزيد عليها: «لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ» و«لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ».
أجمع العلماء على أن الطواف يجب على من اعتمر، إما بعمرة مفردة، وإما بعمرة متمتعًا بها إلى الحج، ولا تصح العمرة إلا بهذا الطواف، ففي الصحيحين في حجة الوداع أن النبي H قال لأبي موسى I: «هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَطُفْ بِالْبَيْتِ»، وهذا أمر يقتضي الوجوب.
والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن هذا الطواف للقدوم، لا يجب على من حج مفردًا أو قارنًا، وإنما هو في حقهما سنة، فقد طاف النبي H بالبيت عند قدومه في حجة الوداع، وكان حج قارنًا وقيل مفردًا، ولم يأمر بهذا الطواف من حج قارنًا أو مفردًا.
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الطهارة شرط لصحة الطواف، فمن طاف وهو على حدث -أكبر أو أصغر-؛ فلا يصح طوافه، ودليلهم الآتي:
وذهب بعض السلف، وبعض فقهاء الحنفية، وبعض المحققين كابن حزم وابن تيمية: إلى أن الوضوء للطواف مستحب فقط، فيصح طواف من كان على حدث أصغر، وإنما جاء النهي في الحائض خاصة؛ فلا يقاس عليه؛ للفارق بين الحيض وانتقاض الوضوء، ولا دليل على وجوب الطهارة للطواف، وهو قول قوي، وما عليه الجمهور أرجح، فأدلتهم تصلح بمجموعها للأخذ بها.
أجمع العلماء على أن الطواف سبعة أشواط، يبتدئ الشوط من عند الحجر الأسود وينتهي عنده. ويستحب عند عامة العلماء التكبير.
ويستحب بإجماع العلماء للطائف أن يستغل وقته بالذكر والدعاء في أثناء الطواف، ولا بأس بقراءة القرآن أثناء الطواف على الأرجح عند جمهور أهل العلم، ولا دليل على كراهيته.
ويستحب له أن يدعو بين الركنين اليمانيين بقوله: «اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»، لما جاء عن عبد الله بن السائب I أنه سمع النبي H يدعو بهذا بين الركنين، رواه أحمد (3/411)، وأبو داود (5/241)، وغيرهما، وحسنه الشيخ الألباني([5])، وسيأتي الكلام فيما بعد عن الاضطباع والرمل والاستلام للأركان في هذا الطواف والتكبير.
أجمع العلماء على مشروعية صلاة الركعتين بعد الطواف، فقد ذكر جابر I أن النبي H بعد أن انتهى من الطواف: «أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى ركعتين»، وبنحوه جاء من حديث ابن عمر L في الصحيحين.
واختلف العلماء في حكم هاتين الركعتين، والمشهور عند الشافعية والحنابلة، وقول الظاهرية، وبعض المالكية: أنهما سنتان مؤكدتان وليستا بواجبتين، فقد صلاهما النبي H، ولم يأمر الطائف بأدائهما، وقوله تعالى: ﴿ وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِۧمَ مُصَلّٗى ﴾ [البقرة: ١٢٥] ليس فيه الأمر بالركعتين بعد الطواف، ومعنى ﴿ مُصَلّٗى ﴾: قبلة. وهذا هو الأرجح.
والمشهور عند الحنفية، وقول عند المالكية والشافعية والحنابلة: أنهما واجبتان بعد كل طواف، فقد قال تعالى: ﴿ وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِۧمَ مُصَلّٗى ﴾ وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وأجمعوا على جواز فعلهما في أي مكان من البيت، والأفضل خلف المقام؛ لأنه الذي فعله النبي H.
لا يعلم خلاف بين العلماء في أنه يستحب للطائف بالبيت أن يعود إلى الحجر الأسود، فيستلمه، ثم يخرج من باب الصفاء لأداء السعي، فقد ثبت عن النبي H أنه فعل ذلك، كما ذكره جابر I: «ثُمَّ أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ».
([1]) شرح مسلم (8/142)، المغني (5/103)، بداية المجتهد (1/337)، فتح الباري (4/192).
([2]) المجموع شرح المهذب (8/12، 19)، بداية المجتهد (1/344)، الاستذكار (12/192)، فتح الباري (4/281).
([3]) المجموع شرح المهذب (8/17)، المحلى مسألة (339)، مجموع الفتاوى (26/198)، المغني (5/222)، فتح الباري (4/304، 314)، فتح باب العناية (1/694).
([4]) المغني (5/223)، المحلى مسألة (868)، الاستذكار (12/124)، فتح باب العناية (1/645).
([5]) صحيح أبي داود (1666).
([6]) المجموع شرح المهذب (8/50، 62)، المغني (5/232)، المحلى مسألة (830)، فتح القدير (2/456)، المنتقى للباجي (2/288)، فتح الباري (2/56)، (4/290)، الإنصاف (4/18).
([7]) شرح مسلم (8/143)، المغني (5/234).