2024/12/24
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِوِ بْنِ الْعَاصِ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ, فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ, فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ, فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» فَجَاءَ آخَرُ,

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِوِ بْنِ الْعَاصِ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ, فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ, فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ, فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» فَجَاءَ آخَرُ, فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ, فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ, قَالَ: «اِرْمِ وَلَا حَرَجَ» فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(767) 26- وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ, وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

تخريج الحديثين:

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص L: رواه البخاري (1736)، ومسلم (1406).

حديث المسور بن مخرمة L: رواه البخاري (1811).



فقه الحديثين:

المسألة الأولى: حكم رمي جمرة العقبة يوم النحر([1]):

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن رمي جمرة العقبة يوم النحر واجب، يأثم تاركه، وعليه دم، ولا يبطل حجه، فعن عبد الله بن عمرو L أن رجلًا قال: «لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: اِرْمِ وَلَا حَرَجَ»، فأمر
رسول الله H برميها، وفي صحيح مسلم عن الفضل بن عباس L أن رسول الله H قال: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ»، فأمر بالرمي بحصى الخذف، وهذا يدل على وجوب الرمي.

ولا يبطل حج من ترك الرمي، فلا دليل على أنه ركن من أركان الحج.

ومذهب الظاهرية: أن رميها ركن يبطل الحج بتركه؛ للأمر به.

المسألة الثانية: الترتيب بين أعمال يوم النحر([2]):

أجمع العلماء على أن السنة في هذا اليوم للحاج أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يطوف بالبيت، كما فعل رسول الله H.

وأجمعوا على أن من قدم بعضها على بعض أنه يجزئه ويصح حجه.

واختلفوا في جوازه، والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يجوز تقديم البعض على البعض، دون استثناء شيء منها، ومن فعله عامدًا عالمًا ذاكرًا لا يأثم ولا شيء عليه، وخالف السنة، فعن عبد الله بن عمرو L أن رجلًا قال: «لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اِذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: اِرْمِ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: اِفْعَلْ وَلَا حَرَجَ »، وهذا عام يشمل جميع أعمال الحج يوم النحر، وفي البخاري عن ابن عباس L قال رجل: «زُرْتُ -البيت- قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: لَا حَرَجَ»، وقد جاءت هذه اللفظة في حديث عبد الله بن عمرو L أيضًا، لكنها شاذة. وروى أبو داود (2015) وغيره عن أسامة بن شريك I أن رجلًا قال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ، أَوْ قَدَّمْتُ شيئًا أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا، فَكَانَ يَقُولُ: لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَهُوَ ظَالِمٌ، فَذَلِكَ الَّذِي حَرِجَ وَهَلَكَ»، وإسناده صحيح، لكن قوله: «سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ» شاذ([3]).

والمراد برفع الحرج في هذه الأحاديث: رفع الإثم ووجوب الدم؛ إذ لو كان يأثم وكان الدم واجبًا عليه؛ لبينه رسول الله H حينئذ، لأن الحاجة داعية لبيانه، ولا يجوز تأخيره.

وليس هذا خاص بالجاهل والناسي؛ لأن رسول الله H لم يضع الحرج إلا وقد أجزأ الفعل، فلو لم يجزئ لأمره بالإعادة، لأن الجهل والنسيان يرفعان الإثم مع وجوب إعادة المأمور به.

وأما ما رواه البخاري عن المسور بن محرمة L: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ»؛ فيحمل هذا الأمر على الاستحباب؛ جمعًا بين الأدلة.

المسألة الثالثة: تقديم السعي على الطواف([4]):

ذهب جمهور العلماء إلى عدم صحته؛ لأن هذا ليس مكانه، فالطواف والسعي كالركوع والسجود، وفي البخاري عن عائشة قالت: «قَدِمْتُ مَكَّةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» فلم يأمرها بالسعي، وحديث أسامة بن شريك شاذ أو مؤول.

وذهب جماعة من السلف، وابن حزم، وأحمد في رواية إلى جوازه، كجواز تقديم بقية أعمال يوم النحر بعضها على بعض، فما سئل رسول الله يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افْعَلْ، وَلاَ حَرَجَ» فيدخل في عمومه: تقديم السعي على الطواف، وجاء صريحًا في حديث أسامة بن شريك: «سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ»، وحديث عائشة في العمرة، وحديث عبد الله بن عمرو وابن عباس وأسامة في الحج وأعماله أكثر.

واختار هذا القول ابن باز وابن عثيمين، وهو قول قوي، ومذهب الجمهور أقوى وأحوط.

 

([1]) المجموع شرح المهذب (8/179)، المحلى (7/133)، المنتقى للباجي (3/53)، فتح الباري (4/409).

([2]) المغني (5/320)، المجموع شرح المهذب (8/216)، المحلى مسألة (845)، بداية المجتهد (1/352)، فتح الباري (4/398).

([3]) سنن البيهقي (5/146)، صحيح أبي داود للألباني (6/256).

([4]) المجموع شرح المهذب (8/78)، المغني (5/240)، الاستذكار (2/228)، المحلى 7/181)، الشرح الممتع (7/309)، مشكل المناسك (ص/177).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=865