عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ فَحَلَقَ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ, وَنَحَرَ هَدْيَهُ, حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عباس L: رواه البخاري (1809).
فقه الحديث:
أجمع العلماء على أن من أحرم بالحج أو العمرة، ثم منعه عدو من إكمال نسكه؛ أنه يتحلل من عمرته أو حجه، ويلزم عليه الهدي عند جمهور أهل العلم، سواء ساقه معه أم لم يسقْهُ، وهو الراجح؛ لظاهر قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِ ﴾ [البقرة: ١٩٦]، ومن لم يستطع للهدي؛ فلا شيء عليه، لا صيام ولا إطعام، على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، ووجه للشافعية، وقول ابن حزم، فقد أحصر النبي H ومن معه من الصحابة في عمرة الحديبية عندما صدهم المشركون عن دخول مكة، فأمرهم النبي H بالهدي، ولم يأمر من كان عاجزًا عنه ببديل من صوم أو إطعام، وكذلك أمر الله المحصر بالهدي ولم يأمره ببديل عنه عند العجز.
ويلزم على من أحصر أن يحلق أو يقصر على الصحيح من أقوال العلماء، وهو مذهب مالك، وقول للشافعي، ورواية لأحمد، فقد نحر رسول الله H وحلق عندما أحصر في الحديبية، وأمر أصحابه بالنحر والحلق، وغضب بسبب تأخرهم، ففي البخاري عن المسور بن مخرمة I أن النبي H قال لأصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا»، وهذا الهدي يذبح في المكان الذي أحصر فيه الحاج أو المعتمر، في الحل أو في الحرم، فقد نحر النبي H وأصحابه يوم الحديبية حين أحصروا في نفس الموضع، والحديبية من الحل، وهذا هو مذهب الجمهور، وهو الراجح.
ولا خلاف بين العلماء أن المحصر يجب عليه قضاء عمرته أو حجه من العام القادم، إذا كان حجه أو عمرته واجبًا، وأما إذا كانا تطوعًا؛ فالصحيح الذي عليه الجمهور: أنه لا يجب عليه القضاء من العام القابل، فالأداء ليس واجبًا، فالقضاء كذلك، وقد أمر الله المحصر بالهدي ولم يأمره بالقضاء، وقضاها النبي H في عمرة القضاء وكان معه من الصحابة أقل ممن كان معه في عمرة الحديبية.
([1]) المجموع (8/290، 355)، المغني (5/425، 427)، الاستذكار (12/80-96)، فتح الباري (4/467-478)، الإنصاف (4/64)، الشرح الممتع (7/444).