وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ; أَنَّ رَسُولَ الله أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الْإِبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ. قَالَ: فَكُنْتُ آخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
تخريج الحديثين:
حديث سمرة بن جندب I: رواه أحمد (5/12)، وأبو داود (3354)، والنسائي (7/292)، والترمذي (1237)، وابن ماجه (4470) عن الحسن البصري عن سمرة I، ولم يصرح بالسماع منه. وجاء من حديث ابن عباس L رواه ابن حبان (5028)، وابن الجارود (609)، والبيهقي (5/289) وغيرهم، والصواب فيه عن عكرمة مرسلًا، وجاء من حديث ابن عمر L رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/60)، والبيهقي في المعرفة (3264)، والصواب فيه عن زياد بن جبير مرسلًا، ورواه الترمذي (1238)، والطحاوي (4/60) من حديث جابر I، يرويه عنه أبو الزبير بالعنعنة وهو مدلس، فالحديث حسن لغيره بهذه الشواهد، قال المصنف في «فتح الباري([1])»: «وبالجملة هو حديث صالح للحجة».
حديث عبد الله بن عمرو L: رواه أحمد (2/171)، وأبو داود (3355)، والحاكم (2/56)، والبيهقي (5/287)، وفيه عمرو بن حريش، مجهول العين، وفي سنده اضطراب أيضًا، ورواه الدارقطني (3/69) والبيهقي (5/287) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بنحوه، وإسناده حسن.
فقه الحديثين:
اختلف العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان إذا كان أحدهما آجل أو كلاهما، سواء اختلفت الأجناس أو اتفقت، كبيع البعير بالبعير، أو البيعر بالشاة؛ لما ثبت عن النبي H من نهيه عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة - أي: إلى آجل -، فلا بد من التقابض في مجلس البيع، وهذا مذهب الحنفية، ورواية لأحمد.
القول الثاني: يجوز بيع الحيوان بالحيوان إذا كان أحدهما حاضر والآخر غائب، اتفقت الأجناس أو اختلفت؛ لما ثبت عن النبي H أنه أمر
عبد الله عمرو L أن يجهز جيشًا، وأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، أي: أن يشتري إبلًا للجيش، ويدفع عوضًا عنه من نوق الصدقة إذا أخذت من المزكين، فكان عبد الله بن عمرو L يأخذ بعيرًا نقدًا –أي: حاضر- ببعيرين نسيئة إلى مجيء إبل الصدقة، وهذا نص صريح في جواز بيع الحيوان بالحيوان، أحدهما حالًا والآخر نسيئة، وهذا الذي تواتر عن الصحابة.
وحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة يحمل على بيع الحيوان بالحيوان كلاهما نسيئة - أي: كلاهما في الذمة -، فيكون من باب بيع الدين بالدين، وهو منهي عنه، وبهذا يجمع بين الحديثين، وضعف بعض أهل العلم حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. وهذا مذهب جمهور العلماء، واختاره علماء اللجنة الدائمة والعثيمين([3])، وهو الأرجح.
فيه صورتان:
الأولى: أن يكون اللحم من جنس الحيوان، كلحم شاة بشاة.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجوز بيع الحيوان الحي باللحم من جنسه، فقد جاء: «أَنَّ النَّبِيَّ H نَهَى أَنْ تُبَاعَ الشَّاةُ بِاللَّحْمِ»، رواه الحاكم (2/35)، والبيهقي (5/266)، وهو عن الحسن عن سمرة I، ولم يصرح بالسماع منه، ورواه مالك (2/361)، والبيهقي (5/266) عن سعيد بن المسيب عن النبي H، وهو مرسل صحيح، ومراسيل ابن المسيب من أصح المراسيل، وله شواهد أُخَر ضعيفة، يرتقي بها الحديث للحسن لغيره([5])، والعلة في النهي عنه: خشية الوقوع في الربا؛ لأن الحيوان الحي لا يعلم كم فيه من اللحم، فلا تتحقق المساواة في هذا البيع.
الثانية: أن يكون اللحم من غير جنس الحيوان، كلحم بعير بشاة.
الصحيح من أقوال العلماء: أنه يجوز بيع الحيوان باللحم من غير جنسه، لعموم قوله H: «فَإِذَا اِخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ». وهذا مذهب المالكية، وهو المذهب عند الحنابلة.
والمشهور عند الشافعية، ورواية لأحمد: أنه لا يجوز؛ لعموم نهي رسول الله H عن بيع الشاة باللحم.
وأما الحنفية والظاهرية فقد ذهبوا إلى جواز بيع الحيوان باللحم من جنسه أو من غير جنسه؛ لضعف الحديث عندهم في النهي عن ذلك.
([1]) (5/337).
([2]) الاستذكار (20/80)، شرح مسلم (11/33)، بداية المجتهد (2/134)، المغني (6/64)، فتح الباري (5/337)، الإنصاف (5/42).
([3]) فتاوى اللجنة الدائمة (13/276)، فتاوى البيوع (ص/315، 319).
([4]) المحلى (1507)، المغني (6/84، 90)، الاستذكار (20/105)، المجموع شرح المهذب (10/180)، إعلام الموقعين (2/164)، الأخبار العلمية (ص/128)، الشرح الممتع (8/402).
([5]) حسنه الألباني في الإرواء (1351).