وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ; أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا, وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا, وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ, نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(848) 17- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ سُئِلَ عَنِ اشْتِرَاءِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. فَقَالَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ?» قَالُوا: نَعَمَ. فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ, وَالتِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ.
تخريج الحديثين:
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (2185)، ومسلم (1543).
حديث سعد بن أبي وقاص I: رواه أحمد (1/175)، وأبو داود (3359)، والنسائي (7/418)، والترمذي (1225)، وابن ماجه (2264) وغيرهم، وإسناده حسن.
فقه الحديثين:
المزابنة: هي المخاصمة والمدافعة، وهي في الحديث: بيع الرطب بالتمر في غير العرايا، وبيع العنب بالزبيب، وعامة العلماء على تحريمها إلا من شذ، فقد نهى النبي H عن المزابنة.
والعلة من النهي: الوقوع في الربا، ففي الصحيحين عن سهل بن أبي حتمة I: «أَنَّ رَسُولَ الله H نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ»، ولما علم النبي H أن الرطب إذا يبس نقص نهى عن ذلك، فالتمر صنف ربوي، فلا يباع بجنسه تفاضلًا، فلابد من التساوي في المقدار، فلو بيع صاع تمر بصاع رطب -وهو التمر قبل أن ييبس-؛ فإنه لا يجوز، لأن الرطب إذا يبس وصار تمرًا نقص حجمه، فلا يحصل التماثل، فكأنه باع صاعًا من تمر بأقل من صاع، وكذلك العنب بالزبيب، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا فرق بين أن يكون الرطب والعنب على الشجر، وبين أن يكونا قد قُطِعا من الشجرة، فالعلة واحدة: وهي أن العنب أو الرطب إذا يبس وجف نقص حجمه، فلا يحصل التساوي عند بيع التمر بالرطب أو الزبيب بالعنب، كما هو ظاهر من حديث سعد بن أبي وقاص I.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن المزابنة تكون في كل صنف ربوي لا يجوز أن يباع إلا مثلًا بمثل، ففي الحديث: «وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ»، وفي رواية عند مسلم: «وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ»، وهذا عام، فيدل على أنه لا يجوز بيع ربوي من الطعام بجنسه أحدهما رَطب والآخر يابس، لأن العلة واحدة، فالرَّطْب إذا يبس نقص، فلا يحصل التساوي.
اختلف العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: يجوز بيع الدقيق بالحب من جنسه إذا تساويا في الوزن وإن لم يتساويا في الحجم؛ لحصول التماثل بتساويهما في الوزن، وهذا مذهب المالكية، وهو قول للشافعي، ورواية لأحمد.
القول الثاني: لا يجوز بيع الدقيق بالحب من جنسه؛ لأنهما مكيلان، فتساويهما بالوزن لا يلزم منه تساويهما بالكيل – أي: الحجم -، وهو معيارهما الشرعي الأصلي، لأن الحب إذا طحن تنتشر أجزاؤه فيتفاوت الحجم، فلا يحصل التماثل في الكيل، وقياسًا على المزابنة، فلا يباع اليابس بالرَّطب من جنس واحد ولو تساويا، لنقص حجم الرَّطْب إذا يبس، وكذلك إذا طحن الحب زاد حجمه، فلا يحصل التساوي، وهذا مذهب الحنفية، والمشهور عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، وهو الأرجح.
([1]) المغني (6/67)، شرح مسلم (10/161)، الاستذكار (19/157)، المحلى مسألة (1477)، فتح الباري (5/127).
([2]) المجموع شرح المهذب (9/309)، شرح السنة للبغوي (8/79)، فتح الباري (5/127).
([3]) المغني (6/81)، الاستذكار (20/50)، بداية المجتهد (2/138)، الإنصاف (5/25).