2024/12/25
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا: أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا: أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا.

(851) 02- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا, فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ, أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تخريج الحديثين:

حديث زيد بن ثابت I: رواه البخاري (2184)، ومسلم (1539)، وقوله: «يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا» انفرد بها مسلم.

وحديث أبي هريرة I: رواه البخاري (2190)، ومسلم (1541).

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: حكم بيع العرايا([1]):

العرايا: جمع عرية، وهي عطية ثمر النخل دون الأصل، كان العرب في الجدب يتطوع أهل النخل بذلك على من لا ثمر له.

وسميت عرايا؛ لعروها وخلوها عن الثمن، والمراد بها هنا: بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر.

وقد أباح بيعها جمهور العلماء، فقد نهى الشرع عن بيع الرطب بالتمر، وهو بيع المزابنة، واستثنى بيع الرطب بالتمر في العرايا لمن احتاج للرطب ولم يجد مقابله من المال إلا التمر بشروط - سيأتي بيانها-، فقد جاء في عدة أحاديث أن النبي H رخص في العرايا أن تباع بخرصها تمرًا، وهذا هو الراجح.

المسألة الثانية: يشترط في العرية أن تؤكل رطبًا:

أي: يأكلها المشتري لها رطبًا، ولا يتركها حتى تيبس وتجف وتصبح تمرًا؛ لأنه إنما اشتراها للحاجة للرطب، وإلا كانت حيلة لاستباحة المزابنة، وفي حديث زيد بن ثابت I قال النبي H: «يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا»، وبنحوه في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، وهذا هو الأرجح من أقوال أهل العلم.

المسألة الثالثة: اشتراط بيع الرطب مخرصًا([2]):

الخرص: هو التخمين والاجتهاد بغالب الظن، فلا يباع الرطب في العرايا إلا بعد خرصه، وذلك بأن يقدر ما في النخَلات من رطب إذا صار تمرًا كم يكون كيلًا، لاشتراط التساوي في بيع التمر بالتمر، فيقدر التساوي هنا بغلبة الظن لتعذر الكيل، فيقول الخارص: هذا الرطب إذا يبس يجيء منه -مثلًا - ثلاث أوسق من التمر، فيبع صاحب الرطب هذا الرطب بثلاثة أوسق من التمر، وهذا الشرط لا خلاف بين العلماء في اعتباره، فقد نص النبي H عليه، فقال: «أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا».

المسألة الرابعة: اشتراط التقابض في مجلس البيع([3]):

لا خلاف بين العلماء أنه يشترط في بيع الرطب بالتمر في العرايا: التقابض قبل التفرق، لأن التمر صنف ربوي، فلا يباع بجنسه إلا يدًا بيد، كما ثبت عن النبي H؛ فعليه: لا يتفرقان حتى يسلِّم صاحب التمر تمره لصاحب الرطب، ويستلم صاحب التمر الرطب بتخلية بينه وبين النخلة.

المسألة الخامسة: حجم العرايا الجائزة([4]):

لا خلاف بين العلماء بأن بيع العرايا لا يجوز في زيادة على خمسة أوسق، والوسق يساوي ستين صاعًا عند عامة العلماء، فعليه: الخمسة الأوسق تساوي ثلاثمائة صاع.

وقد اختلفوا في تحديد مقدار الصاع بالكيلو الجرام، والذي اختارته اللجنة الدائمة: أن الصاع يساوي ثلاثة كيلو جرام؛ فعليه: لا تجوز العرايا بأكثر من تسعمائة كيلو جرام. وعند غيرهم لا تجوز بأكثر من ستمائة وخمسين
كيلو جرام.

واختلف الفقهاء في الخمسة الأوسق؛ فمذهب المالكية، وقول للشافعية، ورواية لأحمد: أن العرايا تجوز في الخمسة الأوسق، فقد جاء «أَنَّ رَسُولَ الله H رَخَّصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا بِخَرْصِهَا، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي
خَمْسَةِ أَوْسُقٍ»
.

والصحيح عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة، وقول الظاهرية: أن العرايا لا تجوز في الخمسة الأوسق، وإنما تجوز فيما دونها، فما دون الخمسة الأوسق لا شك فيه، والخمسة الأوسق مشكوك فيها، والأخذ بما لا شك فيه هو المطلوب، فالأصل التحريم. وقد روى أحمد (3/360) وغيره عن جابر I قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ الله H حِينَ أَذِنَ لِأَصْحَابِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِخَرْصِهَا، يَقُولُ: الْوَسْقَ وَالْوَسْقَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ»، وسنده حسن، وهذا
هو الأرجح.

المسألة السادسة: الترخيص في عرايا غير التمر([5]):

كبيع العنب على رؤوس الشجر بالزبيب لمن احتاج للعنب ولم يجد مالًا إلا الزبيب.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:

القول الأول: يجوز بيع العرايا في كل الثمار التي منها الرَطب واليابس، فالعلة التي من أجلها رخص في عرايا النخل موجودة في غيرها مما يحتاج إليه الناس، وليس عندهم مال، ولكل بلدة فاكهة، ونص الشرع على الترخيص في عرايا النخل؛ لأنها فاكهة أهل الحجاز، وهذا هو المشهور عند المالكية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين.

القول الثاني: تجوز عرايا الكرم خاصة؛ لأنها قوت في بعض البلدان، ولاشتراك الزبيب مع التمر في كثير من الأحكام، فعليه: يجوز بيع العنب بالزبيب فقط في العرايا، قياسًا على التمر، وهذا مذهب الشافعية، ورواية لمالك، ورواية لأحمد.

القول الثالث: لا تكون الرخصة في العرايا إلا في التمر فقط، ولا يلحق به غيره، فالأصل تحريم بيع الرطب باليابس من الجنس الواحد الربوي، وإنما اشتثنى الشرع بيع الرطب بالتمر، ولا دليل على إلحاق غيره به، وقد جاء في الصحيحين عن زيد بن ثابت I: «أَنَّ رَسُولَ الله H رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ». وهذا مذهب الجمهور، وهو الأظهر.

 

([1]) المغني (6/119)، شرح مسلم (10/161)، فتح الباري (5/131).

([2]) المغني (6/124، 126)، شرح مسلم (10/161)، فتح الباري (5/133).

([3]) انظر المراجع السابقة.

([4]) المغني (6/121)، فتح الباري (5/132)، الإنصاف (5/30).

([5]) المغني (6/128)، شرح مسلم (10/161)، الاستذكار (19/126)، فتح الباري (5/129)، الإنصاف (5/30)، الشرح الممتع (8/413)، منحة العلام (6/230).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=926