وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ, فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ?». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ».
تخريج الحديث:
حديث جابر: أخرجه مسلم الرواية الأولى: (1554). الراوية الثانية (1556).
فقه الحديث:
الجوائح: مفردها جائحة، وهي الآفة التي تحل بالزرع أو الثمار فتفسده، كالرياح الشديدة، والمطر الشديد، والبرد والحر الشديدان.
وقد اختلف العلماء في الزرع والثمار التي تباع بعد بدو صلاحها، ثم أصابتها جائحة؛ هل هي على البائع أم المشتري؟
القول الأول: أنها على المشتري ولا يضمنها البائع؛ لأنها قد صارت ملكًا للمشتري وقبضها بالتخلية بينه وبينها، وإن كانت لا زالت في أرض البائع، والخراج بالضمان، أي: أن المشتري يضمن؛ لأن الخراج له. وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد I: «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله H فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا –أي: اشتراها-، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله H: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله H لِغُرَمَائِهِ: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ»، فلو كان الضمان على البائع لأسقطه عن المشتري ولمَا طلب الناسَ أن يتصدقوا عليه، ولمَا أعطى الغرماء ما اجتمع للمشتري من الصدقة.
وأجابوا على حديث جابر I بأجوبة:
وهذا مذهب الحنفية والظاهرية، والصحيح عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة.
القول الثاني: أن الضمان يكون على البائع، ولا يأخذ من المشتري شيئًا، إلا إذا كان التلف يسيرًا حقيرًا فهو على المشتري.
ودليله: ما جاء عن النبي H أنه قال: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟»، وفي رواية: «أَنَّ النَّبِيَّ H أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ»، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، ولا حجة لمن ضعفه.
والضمان هنا واجب على البائع، ففي حديث جابر I: «فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا»، وغير الحلال هو الحرام، وفي الراواية الأخرى: «أَنَّ النَّبِيَّ H أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ»، والأمر يقتضي الوجوب، ولا دليل على صرفه للاستحباب.
وحَمْلُ ما جاء في هذا الحديث على بيع الثمار قبل بدو صلاحها، يُرَدُّ عليه من وجوه:
والجواب على ما جاء في حديث أبي سعيد I أنه قضية عين تدخلها الاحتمالات، منها:
ويجاب على قولهم: «إن الأصل أن الضمان على المالك، فالخراج بالضمان» بجوابين:
وهذا مذهب المالكية، والمذهب عند الحنابلة، وقول الشافعي في القديم، ولم يعتمده في الجديد؛ لتضعيفه لحديث جابر I، وقد قال: «لو صح حديث جابر I لم نتعداه». وهذا القول الثاني -أن الضمان على البائع- هو الأرجح والله أعلم؛ لقوة أدلتهم وتعاليلهم وأجوبتهم على المخالف.
([1]) شرح مسلم (10/183)، المغني (6/177)، المحلى مسألة (1422)، بداية المجتهد (2/186)، التمهيد لابن عبد البر (2/190)، سنن البيهقي (5/305)، مجموع الفتاوى (29/49)، الإنصاف (5/74).