2024/12/25
عَنْ عَائِشَةَ  قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلَانًا قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ, فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ, فَأَخَذْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ بِنَسِيئَةٍ إِلَى مَيْسَرَةٍ?

- وَعَنْ عَائِشَةَ  قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلَانًا قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ, فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ, فَأَخَذْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ بِنَسِيئَةٍ إِلَى مَيْسَرَةٍ? فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ, فَامْتَنَعَ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.


تخريج الحديث:

حديث عائشة J: رواه أحمد (6/147)، والنسائي (7/294)، والترمذي (1217) والحاكم (2/23)، والبيهقي (6/25)، وإسناده صحيح.

فقه الحديث:

المسألة الأولى: البيع إلى أجل غير مسمى([1]):

اتفق العلماء على أنه لا يجوز البيع بثمن معلوم إلى أجل مجهول غير معلوم، فقد قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُ [البقرة: ٢٨٢]، وفي الصحيحين: «أَنَّ رَسُولَ الله H نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ»، لأنه أجل مجهول.

وعند جمهور أهل العلم: أن من الآجالِ المجهولةِ: البيعَ إلى ميسرة، أي: أن يكون موعد السداد إلى حين اليسار، لأنه لا يدري متى تحصل له ميسرة.

وقال بعض المحققين كابن خزيمة وابن حزم والصنعاني وابن عثيمين: يصح البيع إلى ميسرة، أي: إلى وقت اليسار، فعن عائشة J قالت للنبي H: «فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ بِنَسِيئَةٍ أي: إلى ثمن مؤجل- إِلَى مَيْسَرَةٍ أي: إلى حين حصول اليسار لك-؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أي: إلى تاجر البز، فَامْتَنَعَ»، فظاهره: أن النبي H أراد اشتراء الثوبين بثمن إلى ميسرة كما أشارت عليه زوجه عائشة J.

ورد بعض أهل العلم على الاستدلال بهذا الحديث على جواز البيع إلى ميسرة بأنه من قول عائشة J، وليس في الحديث أن النبي H أراد الشراء بثمن إلى ميسرة، وأيضًا ربما كان الأجل مسمى، ويتوقع فيه وجود اليسار.

والأحوط: تحديد الأجل، ولا يكتفى بجعله إلى وقت اليسار؛ لأنه منضبط وسدًّا لباب النزاع بين الناس.

المسألة الثانية: الأجل لتسديد الثمن أو لتسليم المسلَم فيه إلى وقت يعرف بالعادة([2]):

كالأجل إلى موسم، كموسم الحصاد أو الجذاذ أو العطاء، أو إلى فصل كفصل الصيف، أو إلى قدوم الحجاج أو الغزاة.

وقد اختلف العلماء في هذه الآجال:

القول الأول: لا تصح هذه الآجال، فهي آجال مجهولة، فالموسم أو الفصل قد يتقدم وقد يتأخر بفعل المؤثرات كالمطر والهواء، وقدوم الغزاة أو الحجاج قد يتقدم وقد يتأخر لعارض، والعطاء قد يتقدم وقد يتأخر وقد ينقطع. وجاء «أَنَّ رَسُولَ الله H نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ»، على أحد التفسيرين بأنه: البيع إلى أن تلد الناقة أو أن يلد جنينها، فهو أجل مجهول، وأيضًا قد صح المنع منه عن ابن عباس L، وهذا مذهب جمهور العلماء.

القول الثاني: تصح هذه الآجال، لأنها أوقات تعرف في العادة، والاختلاف في هذه الآجال يسير، فهو من الغرر المعفو عنه، وقد ثبت في الصحيحين عن الصحابة أنهم كانوا يُسلِفون بالسنة والسنتين، فكأنه يفهم منه: أنهم يوفون من النخل في وقت الجذاذ، ومن الحبوب في وقت الحصاد.

وهذا مذهب الإمام مالك، ورواية للإمام أحمد، واختاره ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين، وهو الأرجح.

فعليه: من اشترى سلعة إلى آجل، وحدد هذا الأجل بوقت يعرف في العادة؛ فهو جائز، وكذلك من أسلف في مال إلى وقت يعرف في العادة؛ فهو جائز.

والخروج من الخلاف: أن يحدد الأجل بالوقت الذي لا يتقدم ولا يتأخر، كالشهور، فيقال: في أول شهر رجب مثلًا - أو منتصفه أو آخره.

 

([1]) المحلى مسألة (1466)، الاستذكار (20/97)، المجموع شرح المهذب (9/339)، فتح الباري (5/190)، سبل السلام (1/101)، فتاوى العثيمين (28/208).

([2]) المجموع شرح المهذب (9/340)، المحلى مسألة (1466)، المغني (6/403)، فتح الباري (5/189)، الشرح الممتع (4/54).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=932