وَعَن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ, لَهُ غُنْمُهُ, وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ, وَالْحَاكِمُ, وَرِجَالهُ ثِقَاتٌ. إِلَّا أَنَّ الْمَحْفُوظَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِرْسَالُهُ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة I: رواه سعيد بن المسيب عنه، وقد اختلف في وصله وإرساله، أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/100)، والحاكم (2/51)، والدارقطني (3/33)، والبيهقي (6/39) وغيرهم، والصواب فيه الإرسال عند أكثر أهل العلم، منهم أبو داود والدراقطني والبيهقي والبزار والطحاوي([1]). وقد جعل بعض رواة السند قوله: «لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» من قول سعيد بن المسيب موقوفًا عليه.
فقه الحديث:
عامة أهل العلم على أن نماء الرهن يكون للراهن، لأنه صاحب الملك، وفي حديث أبي هريرة قال: «لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ»، أي: للراهن غنم الرهن من غلة أو أجرة، وعليه غرمه.
ثم إذا كان هذا النماء متصلًا بالرهن، كالسِمَن والحمل والتعلم؛ فهو يلحق بالرهن باتفاق الأئمة، لأنه لا يمكن فصله.
وإذا كان نماء الرهن منفصلًا، كالولد والثمرة واللبن والكسب؛ فعند الحنابلة أن النماء والزيادة في الرهن تكون رهنًا في يد المرتهن كالأصل، لأنه حادث في الرهن، فيدخل فيه كالنماء المتصل.
وعند الشافعية والظاهرية: أن الزيادة والنماء المنفصل لا يلحق بالرهن، فلصاحب الرهن أخذه، لأنه ملك للراهن لم يعقد عليه عقد الرهن، فلم يكن رهنًا كسائر ماله، ولأن حق المرتهن تعلق بالأصل، فلا يسري إلى غيره، وهذا هو الأرجح.
ومذهب المالكية مثله، إلا في الولد، فإنه عندهم يلحق بالأصل، أي: بالرهن.
إن كان تلف بتعدي من المرتهن، أو تفريط في حفظ الرهن؛ فإن المرتهن يضمن، لأنه المتسبب في تلفه، وهذا مما لا يعلم فيه خلاف.
وإن كان تلف الرهن بدون تفريط ولا تعد من المرتهن؛ فالصحيح من أقوال أهل العلم: أنه ليس على المرتهن ضمانه، لأن المرتهن أمين، والرهن كالأمانة والوديعة لا ضمان فيها إذا تلفت بدون تعدي أو تفريط، وفي الحديث: «لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ»، «غرمه» أي: للراهن غنمه وعليه غرمه، وهو ما يحصل له من تلف، ومع تلفه يبقى دين المرتهن ثابتًا على حاله في ذمة صاحب الرهن، سواء كان الرهن أقل من الدين أو أكثر، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية وجمهور أهل الحديث.
إذا كان صاحب الدين اشترط على الراهن بيع الرهن عند حلول الحق؛ فله بيع الرهن ويأخذ منه مقابل دينه، ويرجع الباقي لصاحب الرهن، فيكون المرتهن وكيلًا للراهن في بيعه، وعلى هذا جمهور العلماء، وهو الراجح.
وأما إذا لم يشترط عليه بيع الرهن، ولم يأذن له ببيعه؛ فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يرفع أمره للحاكم، فيفعل الحاكم ما يراه مناسبًا من تهديد صاحب الرهن أو حبسه حتى يبيع الرهن، أو يبيعه الحاكم بنفسه بدون حاجة إلى تهديد أو حبس، لأنه حق تعين على الراهن، فامتنع من أدائه، فقام الحاكم مقامه في أدائه، وما بقي من قيمة الرهن يرد لصاحبه.
اختلف الفقهاء في هذا الشرط، فقال جمهور الفقهاء: هو شرط فاسد، فقد جاء عن النبي H أنه قال: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الذِي رَهَنَهُ»، أي: لا ينسد ولا ينغلق، فالغلق ضد الفك، فلا يزال الرهن ملكًا للراهن، ولو حل وقت الدين، فلا يتملكه المرتهن، وقد كانت عادة أهل الجاهلية تملك الرهن بحلول الأجل، فألغاه الشرع.
وذهب الإمام أحمد في رواية إلى صحة هذا الشرط، فالمسلمون عند شروطهم، فيكون ملكًا للمرتهن، سواء قلَّت قيمته أو كثرت عن قدر الدين. وقوله في الحديث: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الذِي رَهَنَهُ» يكون فيما لم يأذن به صاحب الرهن على عادة أهل الجاهلية في تملك المرهون قهرًا، واختار هذا القول ابن تيمية وابن عثيمين.
وما عليه جمهور الفقهاء هو الأرجح؛ لأنه شرط وافق عمل أهل الجاهلية؛ فكان باطلًا.
عامة أهل العلم على أن الرهن يبقى على حاله، ويتولى الأمر ورثة المتوفى، فأداء الدين على الورثة وفك الرهن عليهم، وأداء الرهن على الورثة وفكه عليهم.
([1]) الاستذكار (22/95)، تلخيص الحبير (3/42)، وهو الذي خلص به الشيخ الباني في الإرواء (1406).
([2]) المحلى مسألة (1215)، المغني (6/513)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4322).
([3]) التمهيد لابن عبد البر (6/433)، المغني (6/522)، شرح معاني الآثار (4/101).
([4]) المغني (6/531)، مجموع الفتاوى (29/538)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4310).
([5]) التمهيد (6/430)، المغني (6/507)، الإنصاف (5/167)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4313)، رسالة عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، د/سعد الشثري (ص/37).
([6]) الحاوي الكبير للماوردي (6/16).