عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً, فَهُوَ رِبًا». رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ, وَإِسْنَادُهُ سَاقِطٌ.
(865) 09- وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ.
(866) 10- وَآخَرُ مَوْقُوفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.
تخريج الحديث والأثرين:
حديث علي I: رواه الحارث بن أبي أسامة، كما في «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» (2/500)، وإسناده ساقط كما قال المصنف، ففيه سوار بن مصعب متروك.
الأثر الأول: عن فضالة بن عبيد، رواه البيهقي (5/350)، وفي إسناده
عبد الله بن عياش القتباني، ضعيف يعتبر به.
الأثر الثاني: عن عبد الله بن سلام I: رواه البخاري (4/38)، ولفظه: «إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ، فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلَا تَأْخُذْهُ، فَإِنَّهُ رِبًا».
فقه الحديث والأثرين:
أجمع العلماء على تحريم اشتراط الزيادة على القرض، سواء كانت الزيادة في القدر أم في الصفة، كأن يشترط عليه مع رد القرض زيادة مال أو هدية أو سكنى دار، وهذا من الربا؛ لأنه جر منفعة للمقرض، وفي الحديث: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، فَهُوَ رِبًا»، ولا يثبت هذا الحديث، ولكن أجمع عليه الصحابة، وأيضًا هو من ربا الجاهلية.
وما يفعله أصحاب البنوك من أخذ فوائد على القرض؛ فهو من ربا الجاهلية، وهو محرم بإجماع العلماء.
اختلف العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: يجوز للمقرض قبول هدية المقترض إذا لم يشترط عليه ذلك، وهذا من باب الشكر والاعتراف بالمعروف، وقد ثبت عن النبي H أنه قال: «وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ» -سبق تخريجه-، ولا دليل من الكتاب أو السنة على تحريمها.
وقد روى الدارقطني (3/44) وغيره عن طارق المحاربي I أن رسول الله H قال لوفد: «تَبِيعُونِي جَمَلَكُمْ هَذَا؟، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: بِكُمْ؟، قُلْنَا: بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، قَالَ: فَمَا اسْتَوْضَعْنَا شَيْئًا،... فَلَمَّا كَانَ الْعِشَاءُ أَتَانَا رَجُلٌ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ H إِلَيْكُمْ، وَإِنَّهُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا حَتَّى تَشْبَعُوا وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا»، وإسناده صحيح، فأهدى لهم طعامًا قبل استيفائهم لحقهم.
وقد روى عبد الرزاق (8/142) عن أبي بن كعب I أنه استدان من عمر I عشرة آلاف درهم، ثم أهداه من ثمره، فرده عمر I، فعاب عليه أبي بن كعب I، فأخذه عمر I وقال: «إِنَّمَا الرِّبَا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ، أَوْ يُنْسِئَ».
وما جاء عن بعض الصحابة من منع الهدية للمقرض؛ فهو اجتهاد منهم خالفهم غيرهم، وهذا مذهب الحنفية والشافعية والظاهرية، ورواية لأحمد.
القول الثاني: لا يجوز للمقرض قبول هدية المقترض قبل سداد القرض، إلا إذا كان ذلك معتادًا بينهم من قبل، لقرابة أو صداقة.
ودليل المنع من قبولها: أن هذا القرض يكون قرضًا جر منفعة، فالمقرض يأخذ بدل قرضه وزيادة، وهي الهدية التي أعطاه المقترض، فهذا ربا، فإن القرض لا يستحق به إلا مثله، ولأنهم أجمعوا على أن المقترض لو أعطى المقرض هدية حين القرض لم يجز ذلك، فإذا أعطاه الهدية قبل الوفاء كان مثله.
وقد ثبت عن عبد الله بن سلام I أنه قال: «إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ –أي: دين-، فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلَا تَأْخُذْهُ، فَإِنَّهُ رِبًا»، وثبت نحوه عن أنس وابن عباس M، وجاء عن غيرهم من الصحابة.
وما جاء في حديث طارق المحاربي I يحمل على أنه من باب إكرام الضيف، فقد كانوا ضيوفًا لرسول الله H، وأيضًا هو في البيوع، ومسألتنا في القرض.
وما جاء في قصة أبي بن كعب مع عمر L فإسناده منقطع، وعلى ثبوته فقد رد عمر I الهدية، وإنما قبلها بعد ذلك لما تبين له أنها لغير القرض، وأن أبيًا I لم يرد بهديته لا ربا ولا نساء، إنما أهدى إليه لعادة بينهم، فكان هذا الأثر حجة لمن منع قبول الهدية.
وهذا مذهب المالكية، والصحيح عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية وابن القيم، وهو الأرجح.
فيها حالتان:
الأولى: إذا يحتج إلى مؤنة لحمله؛ فهو جائز بلا ريب.
الثانية: إذا احتاج إلى مؤنة لحمله، وهو على قسمين:
القسم الأول: إذا كانت المنفعة مقتصرة على المقرض، فينتفع المقرض بإسقاط كراء الحمل ولا منفعة للمقترض، وهذا الشرط لا يجوز، لأنه جر منفعة للمقرض، ولعله لا خلاف فيه.
القسم الثاني: إذا كانت المنفعة بهذا الشرط حاصلة للطرفين، كأن يريد المقرض نقل المال إلى البلد الآخر، والمقترض يريد المال في هذا البلد، ولدى المقترض مال في البلد الآخر يستطيع أن يوفي به القرض، فالمنفعة هنا حاصلة للمقرض والمقترض، وتعرف هذه المعاملة عند الفقهاء بـ«السفتجة»، وفيها خلاف عند العلماء:
القول الأول: لا يجوز هذا الشرط؛ لأنه زيادة على القرض، فكان قرضًا جر منفعة، ولأنه شرط ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه؛ فكان باطلًا، وهذا مذهب جمهور العلماء.
القول الثاني: لا بأس بهذا الشرط، لأن فيه مصلحة للطرفين، فليس فيه منفعة محضة للمقرض، فتقابلت المنفعتان، وأيضًا المقترض سيعطيه مثل ما اقترض ولا يعطيه زيادة، وهذا مذهب بعض السلف، وهو رواية لمالك، ورواية لأحمد، واختاره ابن قدامة وابن تيمية وابن القيم والمجمع الفقهي الإسلامي واللجنة الدائمة وابن عثيمين، وهو الراجح.
وقد جاءت آثار عن الصحابة لكلا القولين وكلها ضعيفة.
أولا: التحويلات المصرفية.
ذهب جمهور العلماء من المعاصرين إلى جواز ما يعرف بـ«التحويلات المصرفية».
وصورتها: أن يذهب الشخص إلى مصرف في بلدة ما، ويعطيه مالًا، ويشترط عليه أن يسلمها له أو لوكيله في بلدة أخرى، ويأخذ المصرف أجرة على هذا العمل، وقد توقف بعض أهل العلم في تجويز التحويلات المصرفية خشية أن تكون من القرض الذي جر منفعة.
ورد المجوزون لها بالآتي:
وأما إذا اتفق العميل والمصرف على استلام النقود في البلدة الأخرى بعملة أخرى غير العملة المرسلة؛ فتكون هذه المعاملة جمعت بين صرف وحوالة، فيجب أولًا أن يصرف ما معه من نقود بالعملة التي يريد استلامها في البلد الأخرى، وذلك لأنه يشترط في الصرف التقابض في نفس المجلس، ثم يحوّل النقود بالعملة التي صرفها.
وإذا أعطاه المصرف بدلًا من الصرف كمبيالة أو ورقة حوالة تثبت له الحق، ويكون القبض لها قبضًا تامًّا لمحتواها؛ فقد قرر المجمع الفقهي الإسلامي جواز ذلك، فقبض الكمبيالة أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض للعملة في نفس المجلس، وهو يقوم مقام الصرف، عرفًا وقانونًا، ووجهه: أن هذه الأوراق النقدية ليست أثمان خِلقة، وإنما هي أثمان اصطلاحية، فإذا كان العرف والقانون يعتبران الشيك أو الكمبيالة أو ورقة الحوالة تقوم مقام الأوراق النقدية عمل به، فالكمبيالة أو الشيك أو ورقة الحوالة التي تحتوي على مائة دولار تثبت ما تثبته الورقة النقدية فئة مائة دولار.
وأخذت بهذا اللجنة الدائمة وقالت: «الأحوط والأكمل قبض النقود أولًا التي يريد تحويلها في نفس المجلس».
ثانيًا: جمعيات الموظفين([5]).
صورتها: أن يتفق بعض الموظفين على أن يدفع كل موظف مبلغًا معينًا من راتبه شهريًّا، ثم يدفع جميع المال في كل شهر لواحد من المشاركين.
وقد حرم هذه المعاملة بعض العلماء؛ لأنها تعتبر من القرض الذي يجر منفعة، فالذي يدفع ولم يستلم بعد يعتبر مقرضًا، وهو يشترط أن يدفع له جميع المشاركين في وقت واحد، ومنهم من استلم قبله، وهؤلاء يعتبرون مقترضين منه، فهذه منفعة جرها القرض.
ولما في هذه المعاملة من أضرار مترتبة عليها، فربما مات المستلم أو نقل من العمل أو فصِل أو تقاعد؛ فيضيع الحق أو يصعب أخذه.
وذهب جمهور العلماء ممن تكلم فيها من أهل العصر كابن باز وابن عثيمين إلى جواز هذه المعاملة؛ لما فيها من التعاون على البر والتقوى، والإرفاق بالمقترض، والإعانة على البعد عن المعاملات المحرمة، والمنفعة الحاصلة من هذا القرض عائدة على الجميع، ففيه منفعة متساوية لجميع المشاركين فيها من غير ضرر على أحد، أو زيادة نفع لآخر، والمقترض يدفع لمن أخذ منه وفاء قرضه فقط في الموعد المحدد.
وهذه المعاملة منافعها أكثر من أضرارها، وكثير من المعاملات المباحة لا تخلو من ضرر ومخاطرة، وهي مباحة؛ لأن نفعها أكثر، وأيضًا يمكن تدارك هذه الأضرار بوضع الشروط الشرعية المناسبة، وهو الراجح.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن العملة إذا رخصت أو غلت أن المقترض يرد للمقرض المثل لا القيمة، فالأصل ان القروض تقضى بالمثل لا بالقيمة، وإنما تطلب القيمة إذا انعدم المثل، وهنا العملة موجودة فيرد بنفس العملة، ولا اعتبار لرخص قيمتها أو غلائها بالنسبة لغيرها من العُمَل، فمقتضى العدل قضاء القرض بمثله من جنسه، ولما نخشاه من حصول المنفعة للمقرض إذا كان القضاء بالقيمة مع وجود المثل.
مثلًا: اقترض شخص من آخر عشر آلاف ريال يمني قبل عشر سنين، وكانت تساوي خمسمائة ريال سعودي، ثم هبطت قيمة العملة اليمنية، فصارت العشرة الآلاف الريال اليمني في هذا الوقت تساوي مائتين ريال سعودي، فالعدل أن يوفيه الآن بمثل ما اقترض، فيعطيه عشرة آلاف ريال يمني، ولا يعطيه قيمتها في وقت القرض، وهي خمسمائة ريال سعودي، فلو أعطاه هذه القيمة فهي تساوي الآن خمسًا وعشرين ألف ريال يمني، فنخشى أن يكون قرضًا جر منفعة مع وجود المثل.
وقد اختار هذا القول المجمع الفقهي الإسلامي وعلماء اللجنة الدائمة([7]).
وأما إذا كسدت العملة -كما لو ألغاها السلطان- فالصحيح في هذه الحالة: أن من له قرض بالعملة الملغية أنه يأخذ قيمتها من عملة أخرى في وقت القرض، فينظرون كم تساوي هذه العملة الموجودة من العملة الباقية بسعر وقت الاقتراض، فلما ألغيت صارت كالقرض الذي لا مثل له، فتلزم قيمته حين القرض.
وهذا مذهب الحنابلة، وهو المعتمد عند الحنفية.
صورتها: أن يكون لشخص عند آخر دين إلى أجل، فأراد المقترض أن يضع المقرض عنه بعض المال، على أن يعجل له بسداد الباقي قبل حلول الأجل، أو يريد صاحب الدين أن يضع عن المقترض البعض من الدين، بشرط أن يعجل له الباقي.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
القول الأول: هي معاملة محرمة؛ لأنها تتضمن بيع الأجل ببعض القرض، وهذا من الربا كما لو باع الأجل بالزيادة فيه مقابل ما يزاد في القرض، فنقص الأجل في مقابل نقص العوض كالزيادة في الأجل في مقابل زيادة العوض، وهذه الصورة من الربا المجمع عليه، فكذلك (صورة ضع وتعجل) فكلاهما اعتياض عن الأجل، ولأن الأجل صفة كالجودة، والاعتياض عن الجودة لا يجوز، فكذلك عن الأجل، ولأن الإحسان إذا وجد من الطرفين يكون من المعاوضة، والدائن هنا أسقط حقه، والمديون أسقط حقه في الأجل مقابل الباقي، فتكون معاوضة.
وقد روى البيهقي (6/28) عن ابن عمر L أن رجلًا قال له: لي دين عند رجل فقال لي: عجل لي لأضع عنك، فنهاه ابن عمر L وقال: «نهى عمر I أن يباع العين بالدين»، وإسناده صحيح.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
القول الثاني: هي معاملة جائز، فالأصل في المعاملات الجواز، ولا دليل على المنع، من نص أو إجماع أو قياس صحيح، فليست هي من الربا، لا حقيقة ولا عرفًا، فالزيادة في الأجل مقابل الزيادة في الدين فيها إضرار محض بالمقترض، وأما هذه المسألة ففيها براءة ذمة المقترض من الدين، بإسقاط بعضه والتعجل في دفع البعض الآخر، وصاحب الدين انتفع بالتعجيل، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر بالآخر، فليس هو من الربا.
وقد روى البيهقي (6/28) عن ابن عباس L أنه كان لا يرى بأسًا أن يقول المقترض: «تعجل لك وتضع عني»، وإسناده صحيح، وقد جاء مرفوعًا إلى رسول H، ولا يثبت.
وهذا قول أحمد في رواية، وقول بعض الحنفية، واختاره ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وعلماء اللجنة الدائمة([9]) وابن عثيمين، وهو قول قوي، ومذهب الجمهور أقوى، والله أعلم.
([1]) المغني (6/436)، المحلى مسألة (1479)، مجموع الفتاوى (30/107)، فتح الباري (5/337).
([2]) الاستذكار (21/50)، المغني (6/437)، المحلى مسألة (1208)، مجموع الفتاوى (30/106)، فتح الباري (7/511)، الإنصاف (5/133)، كتاب المنفعة في القرض (ص/300).
([3]) المغني (6/436)، المجموع شرح المهذب (12/263)، المحلى مسألة (1194)، مجموع الفتاوى (29/455، 530)، إعلام الموقعين (1/391)، الإنصاف (5/131)، الفقه الإسلامي وأدلته (5/3797)، الشرح الممتع (4/65)، كتاب المنفعة في القرض (ص/135).
([4]) مجلة البحوث الإسلامية (40/31)، فتاوى اللجنة الدائمة (13/448، 451)، نيل المآرب للبسام (3/70، 96)، رسالة قبض الشيك، د/ الربعي.
([5]) مجلة البحوث الإسلامية (27/349)، رسالة جمعية الموظفين، د/ عبد الله الجبرين، كتاب المنفعة في القرض (ص/617).
([6]) المغني (6/441)، الإنصاف (5/127)، نيل المآرب للبسام (3/123)، رسالة تغيير قيمة العملة (ص/125).
([7]) فتاواها (13/275، 431)، (14/133).
([8]) بداية المجتهد (2/142)، المغني (6/109)، روضة الطالبين (4/431)، المحلى مسألة (1205)، إغاثة اللهفان (2/14)، إعلام الموقعين (3/370)، الأخبار العلمية (ص/117)، الموسوعة الفقهية الكويتية (2/40).
([9]) فتاواها (13/168).