عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ, وَإِذَا أُتْبِعُ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: «فَلْيَحْتَلْ».
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (2287)، ومسلم (1564)، ولفظ: «فَلْيَحْتَلْ» رواه أحمد (2/463) بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
فقه الحديث:
المحيل: الذي أحال. والمحال: الذي له دين على المحيل. والمحال عليه: الذي عليه دين للمحيل.
أولًا: رضا المحيل.
يشترط رضاه عند عامة العلماء، لأن الحق عليه، ولا تتعين عليه جهة بعينها لقضائه، فله إيفاء الحق من حيث شاء، ولا يكره على الحوالة، ولا دليل على إكراهه عليها.
ثانيا: رضا المحال.
اختلف الفقهاء في اشتراط رضاه في الحوالة، فقال جمهور العلماء: يشترط رضاه؛ لأن الدين حقه، فلا يجوز نقله من ذمة الغريم إلى غيرها بغير رضاه، ولأن الذمم متفاوتة في حسن القضاء والمطل، وما جاء من أمر النبي H له بقبول الإحالة في قوله H: «وَإِذَا أُتْبِعُ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ»، وفي رواية: «فَلْيَحْتَلْ»، فهو أمر للاستحباب.
ومذهب الظاهرية، والصحيح عند الحنابلة: أنه لا يشترط رضاه؛ لأنه مأمور بقبول الإحالة إذا أحيل على مليٍّ، أي: على غني قادر على الوفاء، فقد قال H: «وَإِذَا أُتْبِعُ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ»، وفي رواية: «فَلْيَحْتَلْ»، والأمر للوجوب ولا صارف له للاستحباب، فيجبر المحال على قبول الإحالة، ولأن المحيل أقام المحال عليه مقام نفسه، فكان وكيلًا له، فله أن يوفي بنفسه أو عن طريق وكيله.
وهذا القول هو الأظهر.
ثالثًا: رضا المحال عليه.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يشترط رضاه؛ لأن عليه حقًّا من المال للمحيل، وقد أقام المحيل المحال مقام نفسه، فصار كالوكيل له، فله أن يستوفي ماله بنفسه أو عن طريق غيره، كما لو وكّل إنسان غيره بقبض دينه.
يشترط أن يكون المحال به مساويًا للمال المحال عليه في الجنس والصفة والمقدار، وهو ما يسمى بتماثل الحقين؛ لأن الحوالة تحويل للحق ونقل له، فالجنس واحد كدراهم أو دنانير، تبدأ بشرح كلمة الجنس، فالمقدار لا يكون أكثر منه أو أقل، والصفة لا تكون أعلى منه أو أدنى، لأنه باختلاف الجنس أو المقدار أو الصفة تخرج هذه المعاملة عن الإحالة إلى البيع، فتكون من بيع الدين بالدين، وهو محرم، فالحوالة من باب الاستيفاء للحق وليست من المعاوضة، فالمراد منها تسهيل المعاملات.
وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو الراجح.
فإن دفع المحال عليه خيرًا من حقه، أو أدنى منه برضا المحال والمحال عليه بدون شرط؛ فلا بأس به، فإن هذا جائز في القرض ففي الحوالة أولى.
له حالتان:
الأولى: إن أحاله على مليٍّ.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن المحال لا يرجع على المحيل في استيفاء حقه، ولو أفلس المحال عليه أو ماطل أو مات أو جحد، ففي حديث أبي هريرة I: «وَإِذَا أُتْبِعُ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ»، وفي رواية: «فَلْيَحْتَلْ»، فوجب عليه اتباع المحال عليه دون غيره، ولأن الحوالة من التحويل وهو النقل، فتقتضي انتقال الحق من المحيل إلى المحال عليه، فلا حق للمحال بعدها على المحيل.
الثانية: إن أحاله على غير مليٍّ.
فيها خلاف بين الفقهاء:
فمذهب الشافعية، والصحيح عند الحنابلة: أن المحال لا يرجع على المحيل؛ لأنه رضي بهذه الإحالة ولم يشترط غنى المحال عليه، فلم يكن له الرجوع على المحيل، لأنه مقصر بترك البحث والسؤال عن حال المحال عليه، ومفرط بعدم اشتراط يساره، ولأن معنى: «أحلته على فلان» أي: حولت حقه عني وأثبته
على غيري.
ومذهب الحنفية والمالكية وابن حزم ورواية لأحمد: أن له أن يرجع على المحيل، لأن الحوالة اللازمة لا تكون إلا على مليّ -ولو لم يشترطه المحال- بنص الحديث قال: «وَإِذَا أُتْبِعُ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ»، فقيد الأمر في الالتزام بها إذا كانت الإحالة على مليٍّ، ولأنه غره عندما أحاله لغير مليٍّ، ولأن العسر عيب في المحال عليه، فكان كما لو اشترى سلعة فوجدها معيبة.
وهذا هو الأرجح.
وأما إذا علم المحال بأن المحال عليه غير مليٍّ، ورضي بالإحالة بعد علمه؛ فليس له الرجوع على المحيل، لأنه رضي بالمحال عليه، وهذا قول عامة العلماء خلافًا لابن حزم.
([1]) المغني (7/56)، بداية المجتهد (2/299)، المحلى مسألة (1226)، روضة الطالبين (3/462)، فتح الباري (5/228)، الإنصاف (5/227)، فتح باب العناية (2/509).
([2]) المغني (7/56)، الإنصاف (5/225)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4194).
([3]) المغني (7/60)، بداية المجتهد (2/300)، المحلى مسألة (1226)، الإنصاف (5/227)، فتح الباري (5/228)، فتح باب العناية (2/510)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4200).