2024/12/25
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

تخريج الحديث:

حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: رواه البيهقي (6/77) بإسناد ضعيف جدًّا، فيه عمر بن أبي عمر الكلاعي، منكر الحديث.

فقه الحديث:

المسألة الأولى: الكفالة في الحدود([1]):

الكفالة لغة: الالتزام.

وشرعًا: التزام إحضار المكفول إلى المكفول له.

فالضمان يكون للأموال والكفالة تكون للأبدان، وجماعة من العلماء يجعلونهما شيئًا واحدًا، وهو المتعارف عليه بين الناس.

والحدود: هي العقوبات البدنية المقدرة بالشرع، كحد الزنى والسرقة وشرب الخمر والقذف والقصاص.

فالكفالة في الحد: كما لو سرق شخص فأرادوا قطع يده فقال: «أمهلوني حتى أخبر أهلي أو أقضي حاجة لي»، فرفضوا، فكفله شخص على أن يرجع في وقت معين، أو قال: «أنا أتكفل بإحضاره في الوقت المطلوب».

وهي على قسمين:

أولا: الكفالة في الحد إذا كان حقًّا لله.

الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن الحد إذا كان حقًّا لله كحد الزنى والسرقة والشرب أن الكفالة لا تصح، ففي الحديث: «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ»، ولأنه لا يمكن استيفاء الحد من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول، لأن النيابة لا تكون في الحدود، وليس لأحد إسقاطها، لأنها من حقوق الله وليست من حقوق الآدميين.

وللشافعية قول خلاف المذهب عندهم: أن الكفالة هنا صحيحة كضمان المال، وقد جاء عن حمزة الأسلمي I أنه أخذ كفلاء عن رجل وقع على جارية امرأته حتى قدم على عمر I، رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم، ووصله الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/147) وغيره، وفي إسناده ضعف، وحمزة الأسلمي I صحابي، ولم ينكر عليه عمر I أخذ الكفلاء.

ثانيا: الكفالة في الحد إذا كان حقًّا للآدميين.

اختلف العلماء في الكفالة في الحدود إذا كانت حقًا للآدميين، كالقصاص والقذف؛ فمذهب المالكية، والصحيح عند الحنابلة، ووجه للشافعية: أن الكفالة لا تصح، لعموم قوله: «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ»، ولأنه لا يجوز استيفاء الحد من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول.

ومذهب الحنفية، والمذهب عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة: أن الكفالة تصح، لأنه حق لآدمي، فصحت كما تصح في حقوقهم المالية، ولأن للغرماء العفو عن الجاني، ولأن المطلوب من الكفيل إحضار المكفول لا استيفاء الحد منه، وهذا ممكن، وتعينه الجهات المختصة في الدولة على إحضاره.

وهذا هو الأرجح، فلا مانع من صحتها، وحديث: «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» ضعيف.

المسألة الثانية: كفالة الأبدان في غير الحدود([2]):

كما لو كان على شخص دين بسبب قرض أو دية جناية أو غيرهما، قال شخص: «دعوا فلانًا وأنا أتكفل بإحضاره».

الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن هذه الكفالة صحيحة، فقد قال تعالى: ﴿ قَالَ لَنۡ أُرۡسِلَهُۥ مَعَكُمۡ حَتَّىٰ تُؤۡتُونِ مَوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأۡتُنَّنِي بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يُحَاطَ بِكُمۡ [يوسف: ٦٦]، ففي الآية الكفالة بإحضار البدن، ولأن الكفيل يقدر على تسليم المكفول ويستعين بأعوان القاضي في التسليم، ولأن الغرض منها هو المال فصحت كضمان المال.

وإذا تعذر على الكفيل إحضار المكفول في هذه الحالة، فمذهب المالكية والأصح عند الحنابلة: أنه يلزم على الكفيل ما على المكفول من المال، كالضمان بالمال.

وقال أكثر العلماء: لا يلزم ما عليه من المال، لأنه التزم بإحضار البدن ولم يضمن المال، والمؤمنون عند شروطهم، وفي إلزامه بالمال أو تغريمه ظلم له،
وهو الأقرب.

المسألة الثالثة: إذا مات المكفول عنه([3]):

الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجب على الكفيل غرم ما على المكفول؛ لأن إحضار المكفول سقط بموته فسقطت الكفالة وبرئ الكفيل.

المسألة الرابعة: الرجوع في الضمان أو الكفالة([4]):

اتفق العلماء على أن من ضمن شخصًا أو كفله فليس له الخيار في الرجوع، لأن مقتضى الضمان والكفالة: لزوم ما ضمن أو كفل، والخيار ينافي ذلك.

المسالة الخامسة: خطابات الضمان العصرية([5]):

هي عبارة عن تعهد كتابي يتعهد بمقتضاه البنك بكفالة أحد عملائه بمبلغ معين لطرف آخر، مثلًا: أحد عملاء البنك يريد أخذ بضاعة من شركة أو مؤسسة بمبلغ من المال دينًا لزمن معين، فيضمن البنك هذا العميل بما يسمى بـ«خطاب الضمان البنكي» أن يوفي بالتزامه خلال هذه المدة، وإلا دفع البنك عنه هذا المبلغ، ويأخذ البنك أجرة على هذا الضمان تزيد أو تنقص بحسب مقدار الدين ومدته.

وهذا العميل أحيانًا لا يكون معه إيداع لدى البنك، وأحيانًا يكون معه إيداع لدى البنك، وهو ما يسمى بـ«الغطاء»، وقد يكون هذا الغطاء مساويًا للمبلغ الذي ضمنه البنك على العميل أو يزيد، وهذا يسمى بـ«الغطاء الكامل»، وقد يكون أقل من المبلغ المضمون، وهذا يسمى بـ«الغطاء الناقص».

فإذا لم يكن للعميل غطاء لدى البنك، أو كان لديه غطاء ناقص؛ فخطاب الضمان في هذه الحالة محرم، لأن البنك أخذ أجرة مقابل ضمان العميل، والضمان عقد تبرع بلا خلاف بين العلماء، فلا يأخذ الضامن عليه عوضًا، فقد روى أحمد (5/267)، وأبو داود (3560)، والترمذي (1265) وغيرهم عن أبي أمامة I أن رسول الله H قال: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ»، إسناده حسن، والزعيم: هو الضامن، فظهر أن الأصل في الزعامة وهي الضمان أو الكفالة أنها غرم، فتتحول إلى غنم بالأجرة المأخوذة عليها.

وأيضًا هو يشبه القرض الذي جر منفعة على المقرض بأخذ العوض على الضمان، فالأجرة تكون مقابل الضمان ومقابل السداد عنه؛ بل إن البنوك الدولية تأخذ عمولة زائدة مقابل السداد عن العميل إذا دفعت عنه، فيكون من القرض الذي جر منفعة بلا شك.

وأما إذا كان الغطاء كاملًا؛ فقال جماعة من العلماء والبحاث: لا بأس بأخذ البنك للأجرة من العميل في هذه الحالة، لأنها تعتبر من الوكالة وليست من الكفالة، لأن البنك يدفع عن العميل جميع دينه من ماله، فصار البنك وكيلًا عنه لا كفيلًا له، وبالتالي يجوز له أخذ الأجرة على عمله.

وقال جماعة من العلماء والبحاث: لا يجوز أيضًا - للبنك أخذ الأجرة من العميل في هذه الحالة، لأنها تعتبر من الكفالة وليست من الوكالة، لأن البنك يضمن حق البائع، سواء كان للعميل غطاء أم لا، وهذا يخالف حقيقة الوكالة، ولو تلف مال العميل دون تعدي من البنك؛ فإنه يلزم على البنك أداء حق البائع، فحق البائع على البنك يضل قائمًا، فلو كان وكالة لم يكن للبائع حق على البنك، لتعلق حقه بالمال الذي وكل البنك بأدائه له، وقد تلف فانتهت الوكالة، والله أعلم بالصواب.

 

([1]) المجموع شرح المهذب (14/45)، المحلى مسألة (1236)، شرح السنة للبغوي (8/214)، المغني (7/96)، بداية المجتهد (2/295)، بدائع الصنائع (6/8)، فتح الباري (5/236)، الإنصاف (5/210)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4158).

([2]) انظر المراجع السابقة.

([3]) المغني (7/105)، بداية المجتهد (2/295)، حاشية ابن عابدين (7/442).

([4]) المغني (7/96)، المجموع شرح المهذب (14/22)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4152).

([5]) أبحاث هيئة كبار العلماء (5/283)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/3760)، فقه البيع والاستيثاق (ص/1405)، فقه النوازل (1/210)، الربا والمعاملات المصرفية، لعمر الترك (ص/391)، الربا في المعاملات المصرفية، للسعيدي (1/412).

هذه الصفحة طبعت من - https://sheikh-tawfik.net/art.php?id=949