عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : «قُلِ الْحَقَّ, وَلَوْ كَانَ مُرًّا». صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
تخريج الحديث:
حديث أبي ذر I: رواه ابن حبان (361) وفي سنده إبراهيم بن هشام متروك، وجاء من طريق أخرى عن أبي ذر I أنه قال: «وَأَمَرَنِيْ –يعني:
رسول الله H - أَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ، وَلَوْ كَانَ مُرًّا»، رواه احمد (5/159)، وابن حبان (449)، والبيهقي (10/91)، وإسناده صحيح.
فقه الحديث:
يجب على المسلم أن يخبر بما عليه من حقوق للآخرين، في مال أخذه أو أتلفه أو جناية، في قليل أو كثير، وقد أمر النبي H أبا ذر I أن يقول الحق ولو كان مرًّا، أي ولو كان يخشى من ورائه أذية على نفسه، وهذا أمر لجميع المسلمين، وهو عام فيشمل قوله الحق على نفسه أو على غيره من أقاربه أو غيرهم في مال أو جناية، ويشمل قول الحق لإعلاء كلمة الله تعالى والجهاد في سبيله.
يصح الإقرار من العاقل المختار، ولا يصح من المجنون أو النائم أو المغمى عليه، أو الصغير الذي لا يميز، بلا خلاف يعلم بين العلماء.
ويصح الإقرار من الطفل المميز المأذون له بالتصرف في ماله، إذا أقر بدين أو عين أو نحوهما؛ لأن ذلك من ضرورات تصرفه بماله، وهذا مذهب أبي حنيفة، والمذهب عند الحنابلة، وهو الراجح.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن المفلس المحجور عليه لا يصح إقراره بدين عليه في زمن الحجر؛ لأنه متهم في إقراره وحفاظًا على مال الغرماء، لكنه يبقى في ذمته ما أقر به، ويلزمه بعد فك الحجر لأنه عاقل مختار، وكذلك من حجر عليه لسفهه على الراجح.
ومن أقر بدين على نفسه في مرض موته؛ فإن كان لغير وارث فهو مقبول عند عامة العلماء.
وإن كان لوارث؛ فعند الحنفية والحنابلة، وقول للشافعية: لا يقبل إقراره إلا بتصديق الورثة أو بالبينة؛ لوجود التهمة هنا، ولأنه تعلق حق الورثة بماله في مرضه هذا.
وعند المالكية، وقول للشافعية: يقبل إقراره إذا لم يكن متهمًا فيه، كصحة إقراره لغير وارث.
ومثال إقراره لوارث مع التهمة: كما لو كان له تركة، ولا يرثه إلا ابنته وابن عمه، فيقر بدين عليه لابنته، ولم يكن يعرف بحاجته للمال قبلها، أو كانت ابنته فقيرة لا يتوقع أخذ مال منها، فلا يقبل إقراره؛ لأنه متهم في إقراره، وهذا هو الأرجح.
وإذا أقر الوارث بدين على مورثه لأحد من الناس قُبل بغير خلاف بين الفقهاء، فإن صدّقه الورثة أخذ الدين من جميع التركة.
وإن جحده الورثة فقيل: يلزمه دفع الدين كله الذي أقر به، ولو دفع جميع ما خصه من الميراث، فالدين متعلق بما ورثه، لأنه أقر به، وهذا هو المذهب عند الحنفية والشافعية.
وقيل: لا يلزمه إلا حصته من الدين بقدر ميراثه، فإن ورث النصف فعليه نصف الدين وهكذا؛ لأنه أقر بدين متعلق بجميع التركة، وهذا مذهب المالكية والحنابلة، ووجه للحنفية والشافعية، وهو الراجح.
لا خلاف بين العلماء أنه لا يقبل الرجوع في الإقرار إذا أقر بالحق على نفسه من يقبل إقراره شرعًا، وكان الإقرار في حقوق العباد من مال أو جناية، لأنه حق ثبت لغيره بإقراره، فلم يملك إسقاطه بغير رضاه، ولأن حقوق العباد مبنية على المشاحة.
وأما إذا أقر بحق لله D، إما في مال كالزكاة، وإما في حد كالزنى والسرقة؛ فله الرجوع عنه عند جمهور العلماء، فحق الله مبني على العفو والسماح، وفي قصة ماعز الذي اعترف بالزنى ورجموه، فهرب من ألم الرجم، فأدركوه ورجموه حتى مات، فعلم بذلك رسول الله H فقال: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ»، وفي المسألة أقوال ستأتي إن شاء الله في (كتاب الحدود).
([1]) المغني (6/572)، (7/290)، الموسوعة الفقهية الكويتية (6/49).
([2]) المغني ( 7/292)، (12/361)، الموسوعة الفقهية (6/72).