عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالْأَرْبَعَةُ, وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
تخريج الحديث:
حديث سمرة بن جندب I: رواه أحمد (5/8)، وأبو داود (3556)، والنسائي في الكبرى (5/333)، والترمذي (1266)، وابن ماجه (2400) وغيرهم، عن الحسن البصري عن سمرة I، ولم يصرح بالسماع من سمرة I؛ فالسند ضعيف، وقد قال بعض أهل العلم: إنه لم يسمع من سمرة I إلا حديث العقيقة.
فقه الحديث:
ذهب جمهور أهل العلم إلى استحباب العارية، فقد قال D: ﴿ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ [البقرة: ١٩٥]، والإعارة من الإحسان. ولا تكون واجبة، ففي الصحيحين في الأعرابي الذي جاء يسأل رسول الله H عن دينه، «وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ H الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ».
وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها في بعض المواضع، وهذا قول عند الحنابلة، وقول ابن حزم وابن تيمية وابن عثيمين، فقد قال تعالى: ﴿ وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ ٧ ﴾ [الماعون: ٧]، وهذا ذم لهم، و«الماعون»: العواري، فقد روى أبو دواد (1654) وغيره عن ابن مسعود I قال: «كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللهِ H عَارِيَةَ الدَّلْو»، وإسناده حسن، وفي صحيح مسلم عن جابر I قال رسول الله H: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ...، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا حَقُّهَا؟، قَالَ: إِطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا».
وهذا هو الأرجح، والأصل في العارية الاستحباب.
لا خلاف بين العلماء أنه يجب على المستعير المحافظة على العارية والصيانة لها حتى يردها كما أخذها، من غير نقص ولا عيب، وفي الحديث: «عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ»، أي: حتى تؤديه وترده كما أخذته.
فإن تلفت بتعديه بسبب سوء استعمالها، أو بتفريطه بسبب التساهل في حفظها ورعايتها؛ فهو ضامن بلا خلاف بين العلماء، فعليه رد مثلها، فإن لم يجد المثل؛ فيدفع قيمتها يوم التلف لا يوم القبض لها، لأنه الوقت الذي لزم عليه الأداء، لوجود السبب، وهو التلف.
وأما إذا تلفت بالاستعمال المأذون فيه؛ فالصحيح أنه لا يضمن، لحدوث التلف عن سبب مأذون فيه، فالإذن في الاستعمال تضمَّن الإذن بالإتلاف على وجه الانتفاع المأذون به، كثوب استعاره للبسه فبلي بسبب لبسه.
وهذا مذهب الشافعية، والصحيح عند الحنابلة.
فيها خلاف عند الفقهاء:
فمذهب الحنفية والمالكية، ووجه للشافعية وللحنابلة: أنه جائز؛ لأن المعير سلط المستعير على تحصيل المنافع من عاريته، والتسليط على هذا الوجه تمليك، ومقتضى التمليك: جواز الانتفاع بالعارية بنفسه أو بغيره، كالعين المستأجرة.
والصحيح عند الشافعية والحنابلة: أنه لا يجوز له أن يعيرها غيره؛ لأن الإعارة إباحة للمنفعة لا تمليك لها، بخلاف الإجارة فهي تمليك للمنفعة، فإذا كانت الإعارة إباحة فقط، فأعارها لغيره؛ كان قد تصرف في مال غيره بغير إذنه.
وهذا هو الراجح.
([1]) المغني (7/340)، شرح مسلم (5/162)، المحلى مسألة (1651)، الإنصاف (6/102)، الشرح الممتع (4/380).
([2]) المغني (7/343)، الإنصاف (6/113)، الفقه الإسلامي وأدلته (5/4047)، الشرح الممتع (4/390).
([3]) المغني (7/347)، الإنصاف (6/114)، الفقه الإسلامي وأدلته (5/4039)، الشرح الممتع (4/388).