وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ, وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ, وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ, وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة I: رواه أبو داود (3530)، والترمذي (1264) وغيرهما، وقد استنكره أبو حاتم الرازي فقال: «حديث منكر»([1])، وله شواهد ضعيفة، أقواها ما رواه أحمد (3/414)، وأبو داود (3529) عن رجل من قريش قال: «حدثني أبي بن كعب أنه سمع رسول الله H يقول: فذكره بلفظه»، وهذا القرشي لا يعرف من هو، وقد حسن الشيخ الألباني هذا الحديث بشواهده([2]).
لكن قال الإمام الشافعي: «هذا الحديث ليس بثابت»، وقال الإمام أحمد: «هذا حديث باطل، لا أعرفه من وجه يصح([3])»، والله أعلم.
فقه الحديث:
اختلف الفقهاء: هل له الأخذ من ماله بغير إذنه أم لا؟
القول الأول: لا يجوز له أن يأخذ من ماله بغير إذنه، فهذا يعتبر من الخيانة، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا ﴾ [النساء: ٥٨]، وقال النبي H: «أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ اِئْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»، أي: لا تعاقب من خانك بالخيانة له، والأخذ من ماله بغير إذنه خيانة، والخيانة تقتضي عدم الأمانة، ولأن فيه فتح باب شر، فلو جوزناه لكان كل إنسان يعتدي على مال غيره، ولأن الخصومات وفض النزاع يرجع إلى القضاء، وهذا هو المشهور عند الحنابلة، ورواية للمالكية.
القول الثاني: يجوز له الأخذ من ماله بغير إذنه، بقدر حقه، بشرط الأمان من حصول الفتنة والشر؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ ﴾ [البقرة: ١٩٤]، وقوله سبحانه: ﴿ وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقوله D: ﴿ وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَا ﴾ [الشورى: ٤٠]، وفي الصحيحين أن امرأة أبي سفيان ذكرت أن زوجها شحيح فقال لها النبي H: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ»، فأجاز لها الأخذ لحقها بغير إذن زوجها أبي سفيان I.
وحديث أبي هريرة I يجاب عنه بالآتي:
وهذا مذهب الحنفية والشافعية والظاهرية، ووراية لأحمد، وقول المحدثين من الحنابلة، ورواية عند المالكية، وهو الأقرب.
ويشترط للجواز: العجز عن استيفاء الحق عن طريق القضاء على الصحيح من أقوال المجيزين؛ لأنه الأصل عند التنازع، فلا يصار إلى غيره إلا عند العجز والتعذر، والأحوط على كل حال: عدم الأخذ والصبر خروجًا من الشبهة والخلاف وسدًّا لباب التساهل في أموال الناس، فالإنسان مجبول على الميلان لحظوظ نفسه والانتصار لها.
([1]) علل ابن أبي حاتم (1/375).
([2]) الإرواء (1544).
([3]) تلخيص الحبير (3/112).
([4]) المغني (14/339)، سنن البيهقي (10/271)، شرح مشكل الآثار (5/94)، فتح الباري (10/638)، الإنصاف (11/308)، كتاب استيفاء الحقوق من غير القضاء، د/ اليحيى (ص/157).