وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ, وَفِيهِ قِصَّةٌ.
(906) 03- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَلَهُ عِلَّةٌ.
(907) 04- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ, يُنْتَظَرُ بِهَا - وَإِنْ كَانَ غَائِبًا - إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالْأَرْبَعَةُ, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
تخريج الأحاديث:
حديث أبي رافع I: رواه البخاري (2258)، وله قصة، فعن عمرو بن الشريد قال: «جَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلَا تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَارِي؟، فَقَالَ: لَا أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِ مِائَةٍ، إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ، قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسَ مِائَةٍ نَقْدًا فَمَنَعْتُهُ، وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ H يَقُولُ: الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ، مَا بِعْتُكَهُ، أَوْ قَالَ: مَا أَعْطَيْتُكَهُ».
حديث أنس بن مالك I: رواه النسائي في الكبرى (10/364)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/23)، وابن حبان (5182)، عن عيسى بن يونس عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس I، وقد أعله الحفاظ، كأحمد والبخاري والترمذي وأبي زرعة وأبي حاتم والدارقطني، ووهموا فيه عيسى بن يونس، وإنما هو عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة I به، والحسن لم يصرح بالسماع من سمرة L([1]).
حديث جابر I:رواه احمد (3/303)، وأبو داود (3513)، والنسائي في الكبرى (10/365)، والترمذي (1369)، وابن ماجه (2494)، ورجاله ثقات، وضعفه بعض الأئمة، كالشافعي وأحمد([2])؛ لأن متنه يخالف المشهور من حديث جابر I. وصححه بعض الأئمة، كابن معين والزيلعي وابن القيم وابن عبد الهادي والألباني؛ لإمكان الجمع بين روايات حديث جابر I، فجميع روايته يصدق بعضها بعضًا([3])، وهذا أقوى، والله أعلم.
فقه الأحاديث:
ذهب جمهور العلماء إلى عدم ثبوت حق الشفعة للجار، إنما الشفعة للشريك فقط؛ لما ثبت أنه «قَضَى رَسُولُ الله H بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ»، فأثبت الشفعة في غير المقسوم، ونفاها في المقسوم الذي تميزت حدوده وصرفت طرقه، والجار مع جاره حدودهما مميزة، وثبت عنه أنه قال: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ»، فخصها بالشرك.
ولأن ثبوت الشفعة للشريك؛ لوقوع الضرر عليه بالشراكة، وأما الجار فالضرر عنه منتفٍ، فلا شفعة له.
وردوا على حديث أبي رافع I بالآتي:
وذهب جماعة من السلف، وجماعة من فقهاء المحدثين والحنفية، والإمام أحمد في رواية، وجماعة من المحققين، كابن تيمية وابن القيم: إلى القول بثبوت الشفعة للجار، فليس للجار أن يبيع ملكه حتى يعرضه على جاره، وإذا باعه فللجار انتزاعه من المشتري بحق الشفعة، فقد ثبت عن النبي H أنه قال: «الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ»، والصقب: القرب والملاصقة. وهذا عام يثبت للجار كل حق، فتدخل فيه الشفعة، وظاهر استدلال أبي رافع I به يدل على هذا.
والضرر قد يقع – أيضًا - للجار بسبب سوء جاره، فكان له الحق في الشفعة لدفع الضرر عن نفسه، وفي حديث أنس I قال: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ»، أي: بتملك دار جاره بثمنه.
وأصرح مما سبق: ما جاء عن جابر I أن النبي H قال: «الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا»، أي: إذا اتحدت الطريق، وهذا لا ينافي ما ثبت عن جابر I أن النبي H «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ»، لأن هذا معناه: إذا رسمت الأرض بحدودها وصرفت الطرق بأن كان هذا الجانب له طريق، والجانب الآخر له طريق؛ فلا شفعة، فيؤخذ منه: أن الحدود إذا وقعت بينهما بالقسمة وبقي الطريق واحدًا لم يصرف، فالشفعة لا زالت باقية، وهذا هو معنى ما جاء عن جابر I في الرواية الأخرى: «إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا».
وهذا القول هو الأرجح.
وإذا صرفت الطرق بين الجارين – أي: كان لكل جار طريق مستقلة -؛ فلا شفعة للجار، وإن اشتركا في الطريق العامة.
([1]) العلل الكبير (1/568)، علل ابن أبي حاتم (1/477)، نصب الراية (4/173)، إتحاف المهرة (2/207).
([2]) تهذيب الكمال (18/325)، سنن البيهقي (6/106)، نصب الراية (4/174).
([3]) المراجع السابقة، وإعلام الموقعين (2/144)، الإرواء (1540).
([4]) المغني (7/436)، الاستذكار (21/265)، سنن البيهقي مع الجوهر النقي (6/109)، شرح مسلم (11/38)، معالم السنن (3/129)، إعلام الموقين (2/145)، الإنصاف (6/255)، فتح الباري (5/192).