عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ, أَوْ زَرْعٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَسَأَلُوا أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ, فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ : «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» , فَقَرُّوا بِهَا, حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ.
وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ, وَلَهُ شَطْرُ ثَمَرِهَا.
(913) 02- وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ? فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ, إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ, وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ, وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ, فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا, وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا, وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا, فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ, فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِيهِ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مِنْ إِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ.
(914) 03- وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
تخريج الأحاديث:
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (2331) ومسلم (1551).
حديث رافع بن خديج I: رواه مسلم (1548)، وقول المصنف: «وَفِيهِ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي المُتَّفَقَ عَلَيْهِ... إلخ»، فقد جاء في الصحيحين من حديث رافع بن خديج I: «نَهَى النَّبِيُّ H عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ»، وفي رواية: «نَهَى رَسُولُ اللهِ H عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ».
حديث ثابت بن الضحاك I: رواه مسلم (1549).
فقه الأحاديث:
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن المساقاة مشروعة، فقد عامل النبي H أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر، أي: بنصف ثمرها، فالنبي H صاحب الأرض، واليهود هم العاملون فيها، ولأنها تعتبر صورة من صور المضاربة، فرأس المال من المالك، وهو الأرض والشجر، والمساقي هو الذي يقوم بالسقي، وعمل سائر ما يحتاج إليه الشجر، والثمرة بينهما، وهذا هو الربح.
ولا يصح لأحدهما أن يشترط أن يكون نصيبه مقدارًا معينًا من الثمرة، كمائة صاع من التمر مثلًا، فقد لا تنتج الثمرة أكثر من ذلك، فيظلَم من قبل هذا الشرط، وقد تنتج أضعاف المشروط؛ فيهضم المشترط.
ولا يصح – أيضًا - أن يشترط أحدهما أن يكون له ثمر شجر بعينه، فقد تنتج هذه الشجر ولا ينتج غيرها، فيظلَم من قبل الشرط، وقد لا تنتج هذه الشجر وينتج غيرها، فيظلَم المشترط.
فيه صورتان:
الصورة الأولى: أن يؤجرها بشيء معلوم من غير ما يخرج منها، من دراهم أو دنانير أو عروض.
وهذه تسمى بـ«المؤاجرة»، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن هذه المؤاجرة مشروعة، وعمل المسلمين عليها، وما جاء من النهي عن كراء الأراضي يرد عليه بالآتي:
الصورة الثانية: أن يؤجرها صاحبها على جزء مشاع معلوم مما يخرج منها، كالربع أو الثلث أو النصف.
وهذه تسمى بـ«المزارعة»، وقد اختلف العلماء في حكمها:
القول الأول: لا تجوز المزارعة، فقد نهى النبي H عنها، ففي الصحيحين عن رافع بن خديج I قال: «كُنَّا نُحَاقِلُ الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللهِ H فَنُكْرِيهَا بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى، فَجَاءَنَا ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ مَنْ عُمُومَتِي، فَقَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ H عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا وَطَوَاعِيَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا، نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالْأَرْضِ، فَنُكْرِيَهَا عَلَى الثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى»، وفي الصحيحين أيضًا عن جابر I قال: «كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ H: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ»، ولأن الأجرة غير معلومة، فهي مجهولة الشكل والقدر والصفة.
وردوا على ما جاء في حديث أهل خيبر بالآتي:
وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو الصحيح عند المالكية، والصحيح عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة.
القول الثاني: أن المزارعة مشروعة، فقد ثبت «أَنَّ رَسُولَ الله H عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ»، وأيضًا قياسًا على المساقاة، فلا فرق بينهما، والثمرة كذلك مجهولة، وقد تفسد أيضًا بالجائحة، فلا تكون هنالك أجرة، والمزارعة أيضًا كالمضاربة رأس المال فيها الأرض، والبذور -على قول بعض العلماء-، وما جاء من النهي عن كراء الأرض يرد عليه بالآتي:
وهذا مذهب الظاهرية، والصحيح عند الحنابلة، ومذهب كثير من الحنفية والمالكية والشافعية، واختاره ابن تيمية، ونقله عن أكثر الصحابة والتابعين، واختاره أيضًا ابن القيم وعلماء اللجنة الدائمة([3]) وابن عثيمين، وهو الأرجح، لما سبق ذكره.
والأفضل: أن تؤجَّر الأرض البيضاء بالدراهم والدنانير؛ خروجًا من الخلاف والشبهة.
ذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب تحديد مدة للمساقاة أو المزارعة بين صاحب الأرض والعامل، قياسًا على الإجارة، وخلاصًا من الغرر، وقطعًا لاحتمال النزاع فيما بعد.
ومذهب الظاهرية، والصحيح عند الحنابلة، وقول بعض أهل الكوفة: أنه لا يلزم تحديد مدة للمساقاة أو المزارعة بين المالك والعامل، فقد قال النبي H لأهل خيبر: «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَقَرُّوا بِهَا»، ثم أجلاهم عمر I في خلافته لما تفاقم شرهم، فلم يُوقّت لهم النبي H مدة معلومة، وهذا هو الأرجح.
والأفضل - بلا شك - تحديد مدة بينهما، والله أعلم.
القول الأول: أن البذر والغرس لابد أن يكونا من صاحب الأرض، لأن رأس المال عليه، كالمضاربة، وإنما على العامل العمل، وهذا مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني: أنه يجوز تقديم البذر أو الغرس من رب المال أو العامل، فيجوز أن يكونا من رب المال، كالمضاربة، ويجوز أن يكونا من العامل، لظاهر قصة خيبر، فظاهرها: أن البذر كان من أهل خيبر، فلم يذكر النبي H أن البذر على المسلمين، ولم ينقل عنه ولا عن الصحابة فعله، وهذا مذهب الحنفية، وطائفة من أهل الحديث، ورواية لأحمد، ورجحه علماء اللجنة الدائمة وابن عثيمين، وهو الأرجح.
والأحوط: أن يكون الغرس والبذر من صاحب الأرض، كالمضاربة.
([1]) شرح مسلم (10/177)، المغني (7/530)، بداية المجتهد (2/244)، المحلى مسألة (1343).
([2]) شرح مسلم (10/169)، الاستذكار (21/248)، معالم السنن (3/80)، المحلى مسألة (1329)، المغني (7/555)، مجموع الفتاوى (30/118، 149)، فتح الباري (5/294)، عون المعبود مع تهذيب السنن (9/182).
([3]) فتاواها (14/366).
([4]) المغني (7/543)، بداية المجتهد (2/249)، الفقه الإسلامي (6/4712)، الإنصاف (5/472).
([5]) المغني (7/553، 563)، الفقه الإسلامي (6/4692)، الشرح الممتع (4/297)، فتاوى اللجنة الدائمة (14/366).