وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا, فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ». رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ, وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ.
تخريج الحديث:
حديث أبي سعيد I: رواه عبد الرزاق (8/235)، وأحمد (3/59) عن النخعي عن أبي سعيد I ولم يسمع منه، وجاء موصولًا عند البيهقي (6/120) وفي سنده أبو حنيفة ضعيف في الحديث، ورواه النسائي (7/39) عن النخعي عن أبي سعيد I موقوفًا عليه. قال أبو زرعة: «والصحيح وقفه»([1])، وهو كما قال، والحديث ضعفه الألباني([2]).
فقه الحديث:
اتفق العلماء على أنه يشترط في الإجارة أن تكون الأجرة معلومة، وقياسًا على اشتراط تعيين الثمن في البيع؛ لأن الإجارة عقد معاوضة فأشبهت البيع، وما يصح ثمنًا في البيع يصح أجرة في الإجارة.
ومن انتصب لعملٍ ما، ويُعلم أنه يأخذ عليه أجرة، كالخياط والحمال والحجام، فكلفه شخص بعمل دون اتفاق على أجرة؛ فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن الإجارة صحيحة وتلزم الأجرة، لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول، والعرف كالشرط، ما دام أن الرضى وجد وفهم القصد، وهذا هو الراجح، وعليه: تلزم للأجير أجرة المثل.
هذا العقد منعه بعض السلف وأبو حنيفة والشافعي؛ لأن الأجرة مجهولة، وتحتمل الوجود والعدم.
وصححه بعض السلف والإمام أحمد؛ لأنه أشبه بدفع مال المضاربة، وقد روى ابن أبي شيبة (7/213) وعبد الرزاق (8/234) عن ابن عباس L أنه كان «لا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلَ إِلَى الرَّجُلِ الثَّوْبَ، فَيَقُولُ: بِعْهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَمَا زِدْتَ فَهُوَ لَكَ»، وسنده صحيح، ولا يعرف له مخالف من الصحابة في عصره؛ فعليه: لو باعه بقدر المسمى فقط؛ فلا شيء للأجير، وكان كالمضارب إذا لم يربح، وهذا هو الأرجح.
إذا كانت إجارة العين لمدة -كاستئجار الدار أو الأرض أو الدكان-؛ فلا بد أن تكون المدة معلومة معينة، كشهر أو سنة، بلا خلاف بين الفقهاء؛ لأن الإجارة معقودة على منفعة عين في مدة، فوجب أن تكون معلومة.
أما إذا كانت إجارة العين لعمل معلوم، كإجارة الدابة أو السيارة للركوب عليها إلى موضع معين؛ فلا اعتبار للمدة، وتضبط وتحدد بالعمل الذي استأجرها لأجله، وكذلك إذا كانت الإجارة على عمل معلوم في العين، كخياطة ثوب أو بناء جدار؛ فلا اعتبار للمدة، ولا يعلم فيهما خلاف بين الفقهاء.
فإذا جمع بين التعيين بالعمل وبالمدة، كقوله: «استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في هذا اليوم»، فقول أبي حنيفة والشافعية، والصحيح عند الحنابلة: أنه لا يجوز الجمع بينهما؛ لأنه يفضي إلى الجهالة، فقد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة، وقد لا يفرغ في المدة المعينة.
ومذهب المالكية: أنه يجوز الجمع بينهما إذا تساوى الزمن والعمل.
ومذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن الحنفيين، والإمام أحمد في رواية: أنه يجوز الجمع بين تعيين العمل والمدة، فتكون الإجارة معقودة على العمل، والمدة مذكورة للتعجيل، فلا مانع من ذلك؛ فعلى هذا: إذا أتم العمل قبل انقضاء المدة فيكون كمن قضى دينه قبل حلول الأجل، ولو مضت المدة قبل انقضاء العمل؛ فالمستأجر مخير بين فسخ الإجارة؛ لأنه لم يوفِّ له شرطه، وبين الإبقاء عليه وتمديد المدة، وهذا القول هو الأقرب، ومذهب مالك قريب منه.
([1]) علل ابن أبي حاتم (1/376).
([2]) الإرواء (1490).
([3]) المغني (8/14، 143)، الموسوعة الفقهية (5/255، 261).
([4]) الأوسط (11/196)، المغني (8/71، 261)، الإنصاف (5/403).
([5]) المغني (8/118)، الإنصاف (6/45)، الفقه الإسلامي وأدلته (5/3813)، الموسوعة الفقهية (1/262).