عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ, فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا». قَالَ عُرْوَةُ: وَقَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(922) 02- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ, وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ: رُوِيَ مُرْسَلًا. وَهُوَ كَمَا قَالَ, وَاخْتُلِفَ فِي صَحَابِيِّهِ, فَقِيلَ: جَابِرٌ, وَقِيلَ: عَائِشَةُ, وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو, وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ.
تخريج الحديثين:
حديث عروة عن عائشة J: رواه البخاري (2335).
حديث سعيد بن زيد I: سبق في (باب الغصب) وفيه: وليس لعرق ظالم حق، والصواب فيه الإرسال.
وحديث جابر I: رواه أحمد (3/313، 381)، والنسائي في الكبرى (3/404)، والترمذي (1379)، وابن حبان (5205) وغيرهم من طرق عنه بألفاظ متعددة:
الأول: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ».
الثاني: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ»، الثالث: «مَنْ حَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ، فَهِيَ لَهُ». ورجاله ثقات.
وحديث عائشة J: رواه البيهقي (6/142) وسنده ضعيف، فيه زمعة بن صالح ضعيف.
وحديث عبد الله بن عمرو L: رواه الطبراني في الأوسط (605) بإسناد ضعيف، فيه سلمة بن خالد الزنجي، فيه ضعف. ورجح المصنف أنه عن سعيد ابن زيد I. وقال ابن عبد البر: الصحيح في إسناد هذا الحديث الإرسال([1]).
وعلى كلٍّ: يشهد لهذا الحديث حديث عائشة J الذي رواه البخاري.
فقه الحديثين:
عامة الفقهاء على أن الأرض الموات تملك بالإحياء، كما تملك بالشراء والإرث والهبة، فقد ثبت عن النبي H أنه قال: «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا –أي: أحياها- لَيْسَتْ لِأَحَدٍ –أي: التي لا يملكها أحد، ولا فيها أثر انتفاع-، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا»، ولا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء عند جمهور العلماء،
لعموم الحديث.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يشترط إذن الإمام في تملك الموات بالإحياء، سواء كان قريبًا من العمران أم بعيدًا منه، فليس في الحديث اشتراط استئذان الإمام.
وقد أجمعوا على أن ما أخذه الشخص أو اصطاده من طير أو حيوان، من البحر أو البر؛ فإنه يملكه، قرب أم بعد من العمران، أذن الإمام أم لم يأذن، فكذلك في إحياء الموات.
إذا كان الموات مما يتعلق بمصالح العمران، كفنائه ومرعى ماشيته ومسيل مائه وطرقه؛ فلا يملك بالإحياء بلا خلاف بين العلماء، فلا يجوز إحياء ما تعلق بمصالح المملوك.
وإذا كان لا يتعلق بمصالح العمران؛ فيجوز إحياؤه وتملكه، ولو كان قريبًا من العمران، لعموم قوله: «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا»، ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة مملوك، فجاز إحياؤه كالبعيد.
وهذا مذهب المالكية والشافعية، والصحيح عند الحنابلة، وهو الأرجح.
الصحيح: أنها لا تملك بالإحياء؛ لأنها قد صارت ملكًا لمن أحياها سابقًا، فكانت كالتي ملكت بشراء أو عطية أو إرث، وحديث «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» قيد جوازه بغير المملوك، وسائر الأملاك لا يزول الملك عنها بالترك، ما دام يعرف مالكه.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية.
وهي التي اندرست آثارها، وليس لها مالك معين.
فإذا وجدت آثار تدل على أنها كانت ملكًا لأهل جاهلية؛ فتملك بالإحياء باتفاق الأئمة.
وإذا لم يوجد ما يدل على أنها لأهل الجاهلية؛ فقد اختلف العلماء فيها:
فمذهب الشافعية، والصحيح عند الحنابلة: أنها لا تملك بالإحياء؛ لأنها أرض في دار إسلام، لها مالك في الأصل.
ومذهب الحنفية والمالكية، ورواية لأحمد: أنها تملك بالإحياء؛ لأنها أراضي صارت بائدة، ليس لها مالك معين، فتدخل في عموم قوله: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، وهي كمن ألقى متاعه زاهدًا فيه وراغبًا عنه لا يريده؛ فهو لمن وجده، ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين، وهو الأقرب، وأحسن منه ما قاله الإمام ابن حزم: أن النظر فيه للإمام، ولا يملك إلا بإذنه.
([1]) التمهيد (22/280، 283).
([2]) المغني (8/145، 182)، المحلى مسألة (1347)، التمهيد لابن عبد البر (22/285)، فتح الباري (5/285)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4617).
([3]) المغني (8/149)، الإنصاف (6/360)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4619).
([4]) المغني (8/146)، المحلى مسألة (1347)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4617).
([5]) المغني (8/147)، المحلى مسألة (1347)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/4618)، الشرح الممتع (4/510)، الإنصاف (6/355).