وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ, فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: «لَا تَبْتَعْهُ, وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ …» الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث عمر I: رواه البخاري (2623)، ومسلم (1620) وفي آخره: «فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ».
فقه الحديث:
لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز للمتصدق أن يرجع في صدقته، لأنه أراد بها وجه الله D، وفي حديث عمر I: «فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»،
وتلزم الصدقة عند جمهور العلماء بقبض المتصدق لها، وهو الراجح.
ولا تلزم بمجرد الوعد بها، فقد شبه النبي H العائد في صدقته بالكلب يعود في قيئه، أي: بعد ما أخرج قيئه، فكذلك الصدقة بعد أن تخرج، وإن كان الأفضل له ألا يرجع بصدقته وإن لم يقبضها المتصدق، إنجازًا لوعده.
إذا تصدق الشخص بصدقة، ثم وجد المتصدق عليه يبيعها في السوق؛ فلا يشتريها منه بإجماع العلماء، فقد جاء عن عمر I أنه قال: «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله –أي: تصدقت بفرس لي في سبيل الله-، فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ –أي: قصر في حقه-، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَألتُ رَسُولَ الله H عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ -أي لا تشتره-».
واختلفوا في حكم هذا النهي؛ فقال جمهور العلماء: هو نهي للكراهة، لأن المشتري سيتملكه بثمنه، فكان كبقية المشترين، ولكن يكره له أن يشتريه حتى لا يحابا بالثمن، ويبيعها له بغير طيب نفسه.
وقال بعض العلماء والظاهرية: النهي للتحريم، فهذا الأصل في النهي، ولا صارف له للكراهة، وهو الأرجح، واختاره علماء اللجنة الدائمة وابن عثيمين.
وإذا اشتراه من المتصدَّق عليه غير المتصدِّق، ثم أراد المشتري بيعه، فللمتصدِّق به أن يشتريه؛ لأنه لن يحابا في الثمن.
([1]) المغني (8/279)، التمهيد (1/205).
([2]) شرح مسلم (11/53)، فتح الباري (5/559).