عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا, فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عباس L: رواه البخاري (6732)، ومسلم (1615).
فقه الحديث:
الورثة على قسمين:
الأول: وارث بالفرض، وهو كل من يرث مقدارًا محددًا في الشرع، وهم البنت، والأم، والجدة، والأب -إن كان للميت ابن-، والأخت لأبوين أو لأحدهما، والأخ لأم، والزوج والزوجة.
والمقادير المحددة شرعًا هي: الثلثان، والنصف، والثلث، والربع، والسدس، والثمن، فمثلًا: الزوج يرث من زوجته الربع إن كان لها ولد، والنصف إن لم يكن لها ولد. والزوجة ترث من الزوج الثمن إن كان له ولد، والربع إن لم يكن له ولد. والأم ترث السدس إن كان للميت ولد أو إخوة، وترث الثلث إن لم يكن له ولد ولا إخوة، ولو كان له أخ واحد.
الثاني: وارث بالتعصيب، وهو كل من يرث بلا تقدير، وإذا انفرد استحق جميع التركة، وهم الابن، والأب -إن لم يكن للميت ابن-، والأخ، وابن الأخ، والعم، وابن العم.
وإذا اجتمع في الإرث وارث بالفرض ووارث بالتعصيب؛ بدئ بصاحب الفرض، فيعطى فرضه ثم الوارث بالتعصيب، لقوله H: «الحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، -أي: أوصلوا الفروض لمستحقيها، ثم قال:- فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ –أي: فما فضل من المال فلأقرب عصبة من الذكور إلى الميت-».
مثاله: هالك عن أم وابن، للأم السدس فرضًا، وباقي المال للابن تعصيبًا.
وكل ما سبق مجمع عليه بين العلماء.
فيه ثلاث حالات:
الحالة الأولى: إذا كانت الفروض بقدر التركة؛ فلا إشكال هنا.
الحالة الثانية: أن تكون الفروض أكثر من التركة، وذلك بأن يحصل ازدحام من أصحاب الفروض، فلا تتسع التركة لها؛ فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يدخل النقص عليهم كلهم ليرث الجميع، لأن كل واحد منهم استحق من التركة بالدليل الشرعي، فقد قال H: «الحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا»، فلا يجوز إسقاط فرض بعضهم مع وجود الدليل على استحقاقه، وهذه المسألة تسمى بـ«مسألة العول».
مثلًا: هالكة عن أخت وزوج وجدة، فللأخت النصف، وللزوج النصف، وللجدة السدس، فيحصل استغراق للمال بأكمله بفرض الأخت والزوج، وبقيت الجدة، فندخل النقص على الجميع؛ لكي يرث الجميع.
الحالة الثالثة: إذا كانت الفروض أقل من التركة، وذلك إذا استكمل أهل الفروض فروضهم، وبقي مال من التركة، فهذا المال المتبقي يرد على أصحاب الفروض بقدر حصصهم، ولا يرد لبيت مال المسلمين عند جمهور العلماء، وهو الراجح، وهذه تسمى بـ«مسألة الرد»، ويستثنى الزوجان من الرد، ففي الصحيحين أن رسول الله H قال: «فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ»، فهذا يدل على أن جميع المال للوارث، ولا يستحقه بيت المال، إلا عند عدم وجود الوارث.
مثلًا: هالك عن أم وبنت، للبنت النصف، وللأم السدس، والثلث الباقي يرد على الأم والبنت، ولا يأخذه بيت مال المسلمين.
لا خلاف بين العلماء أنه يقدم أقربهم من الذكور إلى الميت، لقوله H: «فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»، فتقدم جهة البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة، ثم العمومة.
فإذا كانت الجهة واحدة؛ فيقدم أقربهم منزلة من الميت، فيقدم الابن على ابن الابن، ويقدم الأب على الجد، ويقدم الأخ على ابن الأخ، ويقدم العم على ابن العم.
فإذا استووا في المنزلة قدم الأقوى؛ فيقدم الأخ لأبوين على الأخ لأب، لأن الأخ لأبوين يقرب الميت من جهتين، والأخ لأب يقربه من جهة.
([1]) المغني (9/6-21)، فتح الباري (13/498)، التحقيقات المرضية (ص/70).
([2]) المحلى مسألة (1717)، المغني (9/28، 48)، الاستذكار (15/438)، التحقيقات المرضية (ص/252).
([3]) المغني (9/22)، بداية المجتهد (2/351)، فتح الباري (13/498)، أحكام المواريث (ص/96).