وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرِيكَ بْنُ سَمْحَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : «الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ». الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَي, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1237) 03- وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
تخريج الحديثين:
حديث أنس بن مالك I: رواه النسائي (6/172)، وأبو يعلى (2824)، وإسناده صحيح.
وحديث ابن عباس L: رواه البخاري (2671).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: سقوط الحد عن القاذف([1]):
لا خلاف بين العلماء أنه يسقط عنه الحد إذا أقر المقذوف بصحة ما قذف به من الزنى، أو إذا جاء القاذف بأربعة شهود عدول يشهدون أنهم رأوا المقذوف يزني، وقد قال D: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ ﴾ [النور: ٤]، يفهم من الآية: أن من جاء بأربعة شهداء أنه لا يجلد بسبب القذف، وقد قال النبي H لهلال بن أمية I: «البَيِّنَةَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ»، والمراد بالبينة: الأربعة الشهود.
ويسقط الحد عنه –أيضًا- بعفو المقذوف عنه، لأنه حق له، فله إسقاطه كالقصاص، وهو مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة، ورواية لمالك، وقول بعض الحنفية، وهو الأرجح.
والمشهور عند الحنفية، ورواية للحنابلة: أنه لا يسقط بالعفو؛ لأنه حد، فلا يسقط بالعفو كسائر الحدود.
والمشهور عند المالكية: أن المقذوف إذا أراد بالعفو أن يستر على نفسه؛ فيسقط الحد، وإذا لم يرد بالعفو ستر نفسه؛ فلا يسقط، لأنه صار حقًّا لله.
ويسقط الحد -أيضًا- عند الحنفية والمالكية بزوال شرط من شروط الإحصان بعد القذف، كما لو قذفه بالزنى ثم زنى المقذوف بعد ذلك أو جن أو ارتد، لأن الإحصان يشترط في ثبوت الحد، فكذلك يشترط استمراره.
وفرق الشافعية بين شروط الإحصان.
ومذهب الحنابلة: أن الحد لا يسقط بزوال شرط من شروط الإحصان؛ لأن الحد قد ثبت بشروطه، فلا يسقط بعد ذلك، وهذا هو الأرجح.
المسألة الثانية: قذف الرجل لزوجته بالزنى بدون بينة([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن عليه الحد إلا إذا لاعن، فقد قال النبي H لهلال بن أمية I عندما قذف امرأته بالزنى: «البَيِّنَةَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ»، فلا فرق بين أن يقذفها زوجها بالزنى أو يقذفها أجنبي، ويسقط الحد عنه بالبينة أو باللعان، كما سبق في (باب اللعان).
المسألة الثالثة: قذف الملاعنة وولدها([3]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن من قذف الملاعنة وولدها أن عليه حد القذف؛ لأن حصانتها لم تسقط باللعان، فلا زالت من المؤمنات العفيفات، لهذا لم يُقَم عليها حد الزنى.
([1]) المغني (12/386، 398)، الإنصاف (10/201)، الموسوعة الفقهية الكويتية (33/14)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5410، 5522).
([2]) الاستذكار (17/209)، المغني (11/136)، بداية المجتهد (2/119)، زاد المعاد (5/373).
([3]) المغني (12/402).