وَعَنْ أَنَسٍ I قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ H رَجُلًا, وَفِي قَدَمِهِ مِثْلُ الظُّفْرِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ. فَقَالَ: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ.
تخريج الحديث:
حديث أنس: رواه أبو داود (173)، وكذلك رواه أحمد (3/146)، وابن ماجه (665)، ولم يروه النسائي، ورجاله ثقات، وقد أعله أبو داود وابن عدي بتفرد ابن وهب به([1]). ورواه مسلم (243) عن عمر بن الخطاب I عن النبي H بنحوه، وفيه: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ». وقد روي عن عمر بن الخطاب I موقوفًا أيضًا ولا يضر، فالحديث في صحيح مسلم عن عمر I مرفوعًا، وللحديث شاهد عن الحسن البصري عن النبي H مرسلًا، رواه أبو داود (174)، ورجاله ثقات.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: حكم الموالاة بين الأعضاء في الوضوء([2]):
الموالاة: هي المتابعة بين أعضاء الوضوء، دون فصل بين هذه الأعضاء.
فإذا كان الفصل يسيرًا؛ فلا يضر بإجماع العلماء.
أما إذا كان الفصل طويلًا؛ ففيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: لا يضر ذلك، فالموالاة مستحبة وليست واجبة، لعدم وجود دليل عليها، وهو مذهب الحنفية والظاهرية، والصحيح عند الشافعية، ورواية لأحمد.
القول الثاني: يضر مطلقًا، سواء كان الفصل بعذر أو بدون عذر، فلابد من الموالاة بين الأعضاء في الوضوء، وإلا بطل الوضوء؛ لأن الوضوء يعتبر عبادة واحدة، فمقتضى ذلك ألا يفرق بين أجزائها، فإذا فرق بين أجزائها لم تكن عبادة واحدة، وقد أمر الله تعالى في الوضوء بغسل أعضاء معدودة معطوف بعضها على بعض، فوجب غسلها مرتبة متوالية كما في ركعات الصلاة، ولأنه لم ينقل عن النبي H أنه فصل بينهما ولا مرة واحدة. وهو المذهب عند الحنابلة وقول للشافعية.
القول الثالث: لا يضر إذا كان الفصل لعذر، فالموالاة تسقط بالعذر، ومنه النسيان. وهو المشهور من مذهب المالكية، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الشريعة في جميع أمورها تفرق بين القادر والعاجز، فالقادر مدان والعاجز معذور، فالعاجز يتقي الله ما استطاع.
قُلْتُ: القول الثاني هو الأقوى، والله أعلم.
وقد اختلف العلماء في استنباط الحكم من حديث الباب، فقال بعضهم: هذا الحديث دليل على عدم وجوب الموالاة؛ إذ لو كانت واجبة لقال له: ارجع فأعد الوضوء.
وقال بعضهم: بل هذا الحديث دليل على وجوب الموالاة، إذ لو لم تكن واجبة لقال له النبي H: اغسل هذه البقعة، ولكن قال له: ارجع فأحسن وضوءك، وإحسان الوضوء يكون بإعادته، وقد روى الإمام أحمد (3/404)، وأبو داود (175) عن بعض أصحاب النبي H أن النبي H أمر هذا الرجل أن يعيد الوضوء، ورجاله ثقات([3]).
وأما حد الموالاة؛ فالصحيح أنه يرجع إلى العرف والعادة، فما كان في العرف والعادة يعتبر فصلًا طويلًا؛ فإنه يكون قاطعًا للموالاة، ولا بد من إعادة الوضوء. وما كان في العرف لا يعد فصلًا طويلًا، إنما هو يسير؛ فلا يكون قاطعًا للموالاة، ولا يجب إعادة الوضوء، وإنما يكمل بقية الأعضاء، ويصح الوضوء؛ وذلك لأن الحدود والضوابط تؤخذ من الشرع، فإذا لم تذكر في الشرع، فيرجع إلى عرف الناس وعاداتهم.
المسألة الثانية: ترك جزء يسير من العضو([4]):
عامة الفقهاء على أن من ترك غسل جزء من العضو الذي أمر الشرع بغسله أن الوضوء لا يصح، ولو كان هذا الجزء يسيرًا، فالواجب استيعاب جميع العضو عند تغسيله إلا لعذر، ودليله:
الأول: قوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ ﴾ [ المائدة: ٦ ]، فيفهم من هذه الأية التعميم، أي: فاغسلوا وجوهكم كاملة لا تتركوا منها شيئًا، واغسلوا أيديكم كاملة إلى المرفق لا تتركوا منها شيئًا.
الثاني: حديث أنس I أن رسول الله رأى رجلًا في قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال: «ارْجِعْ، فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ»، ومثل الظفر بعتبر يسيرًا.
ومثل هذا لو كان في العضو شيء يمنع وصول الماء، كالطلاء الزيتي والمناكير التي تستخدمها النساء؛ فلا يصح الوضوء إلا بعد إزالة هذا الشيء؛ لأنه يمنع وصول الماء إلى العضو.
([1]) الكامل في الضعفاء (2/550).
([2]) المحلى [مسألة] (207)، شرح مسلم (3/113)، شرح السنة للبغوي (1/446)، مجموع الفتاوى (21/135)، فتح الباري لابن رجب (1/289)، جامع الاختيارات الفقهية (1/439)، عون المعبود (1/202).
([3]) صححه الألباني في الإرواء (86).
([4]) انظر شرح مسلم (3/113)، الموسوعة الفقهية (43/239)، أحكام الطهارة للدبيان (9/71)، الفتاوى الجامعة للمرأة، جمع الوزان (1/21).