وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ I عَنِ النَّبِيِّ H: «أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ, وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً, إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ: أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

تخريج الحديث:

حديث أبي بكرة: رواه ابن خزيمة (1/96)، والدارقطني (1/194) وفي سنده المهاجر بن مخلد، فيه ضعف، لكن الحديث حسن بالشواهد.

فقه الحديث:

المسألة الأولى: إذا لبس الخفين وهو مسافر، ثم وصل إلى الحضر، أي: إلى بلاده([1]):

الذي عليه جمهور أهل العلم: أن هذه المسألة فيها تفصيل:

• إذا مسح في سفره أقل من يوم وليلة، ثم وصل إلى الحضر؛ فإنه يكمل اليوم والليلة، مثلًا: مسح في العصر، ثم وصل إلى بلده في الليل؛ فله أن يمسح إلى الظهر من اليوم التالي.
• إذا مسح في السفر أكثر من يوم وليلة، مثلا: مسح في العصر في اليوم الأول، ثم مسح في العصر في اليوم الثاني؛ فإنه في هذه الحالة - إذا وصل إلى بلده وصار مقيمًا - ينزع خفيه ولا يمسح عليهما، وذلك لأن العبرة بالمنتهى، فلما وصل إلى الحضر صارت الأحكام أحكام الحضر، والمسح في الحضر مدته يوم وليله، وقد تجاوز هذه المدة، وأيضًا أخذًا بالاحتياط.

المسألة الثانية: إذا لبس الخف في الحضر ثم سافر، فكم تكون مدة المسح([2])؟

هذه المسألة لها حالتان:

الحالة الأولى: إذا كانت مدة المسح لم تبتدئ بعد، وذلك إذا لبسهما في الحضر ثم سافر ولم يمسح عليهما بعد، مثلًا: توضأ ثم لبس الخف في الظهر، ثم سافر ولم يمسح على الخفين في الحضر؛ فلا خلاف بين أهل العلم - في هذه الحالة - أنه يأخذ حكم المسافر في المسح، فله أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن.

الحالة الثانية: إذا لبس الخفين في الحضر، ومسح عليهما في الحضر أقل من يوم وليلة، ثم سافر، مثلًا: لبس الخفين في الظهر، ومسح عليهما في العصر، ثم سافر، فهل يكمل اليوم والليلة فقط، بناء على أنه بدأ المسح وابتدأ الحساب من الحضر، أم يمسح كالمسافر لأنه صار في حكم المسافرين فيأخذ أحكام السفر؟

هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء:

القول الأول: مذهب أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد: أنه يأخذ أحكام المسافرين، فيكمل ثلاثة أيام ولياليهن؛ لأن المعتبر به وقت الأداء، وهو الآن في وقت السفر، فالعبادة يعتبر فيها وقت الأداء، لهذا إذا دخل وقت الصلاة وهو مقيم ثم سافر؛ فإنه يصليها صلاة مسافر، اعتبارًا بوقت أدائها، فكذلك في المسح.

القول الثاني: مذهب الشافعية، والصحيح عند الحنابلة: أنه يمسح كما لو كان في الحضر، فيكمل يومًا وليلة فقط، وإن صار من المسافرين؛ لأنه ابتدأ المسح في الحضر، فابتدأ حساب مدة المسح من الحضر، فيأخذ حكم الحضر، وذلك لأن الذي يمسح ثلاثة أيام ولياليهن هو المسافر، أي: من كان في حالة السفر فقط، وهذا جمع بين الأمرين، فهو في حالة الحضر والسفر.

والدليل الثاني؛ أنها عبادة مشتركة بين حالتين الحضر والسفر، والرخصة في الحضر مدتها أقل من الرخصة في السفر، فكان الاحتياط أن يعمل بالأقل، فيغلب حكم الحضر لأنه المتيقن، وهو الصحيح، فيكمل اليوم والليلة، ثم ينزع الخفين ثم يتوضأ.

المسألة الثالثة: إذا لبس خفيه على طهارة التيمم، ثم زال العذر، فهل يمسح عليهما إذا توضأ، أم لا بد من نزعهما([3])؟

الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الطهارة بالتيمم لا يعتبر بها في المسح على الخفين، للأدلة الآتية:

الدليل الأول: حديث أنس I: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا»، فاشترط للمسح على الخفين أن يسبق هذا المسح بالوضوء. وفي حديث أبي بكرة I «إِذَا تَطَهَّرَ»، والمراد به: الوضوء، يحمل المجمل فيه على المبين وهو الوضوء.

الدليل الثاني: حديث المغيرة I: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ H فَتَوَضَّأَ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا»، أي: أدخلها بعد تطهير القدمين، ومن المعلوم أن القدم لا تمسح في التيمم، فالمقصود هنا طهارة الوضوء.