وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ, وَالتِّرْمِذِيُّ, وَابْنُ حِبَّانَ, وَأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ.
(990) 17- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا, فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ, فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا, فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ». أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ, وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
تخريج الحديثين:
حديث أبي موسى I: رواه أحمد (4/394)، وأبو داود (2085)، والترمذي (1126)، وابن ماجه (1881)، ولم يروه النسائي. واختلف في وصله وإرساله، ورجح الحفاظ وصله([1])، فالحديث صحيح
حديث عائشة J: رواه أحمد (6/47)، وأبو داود (2083)، والترمذي (1127)، وابن ماجه (1879)، عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة J، وإسناده صحيح، وأعلّ بما جاء عن ابن جريج أنه قال: «سألت الزهري عنه فلم يعرفه»، وأجيب بأن هذا النقل ليس موجودًا في كتب ابن جريج، وأيضًا قد جزم سليمان بن موسى الراوي له عن الزهري بسماعه منه، ولم يكذبه الزهري أو ينكره، وإنما قال: «لا أعرفه»، فلعله نسيه. وقد صحح هذا الحديث أكثر الحفاظ([2]).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: ولي المرأة في النكاح([3]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: اشتراط الولي في عقد نكاح البكر أو الثيب، وإذا تزوجت المرأة بدون إذن وليها؛ فالنكاح باطل، فقد ثبت عن النبي H أنه قال: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»، وقال: «أَيُّمَا اِمْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ».
وما جاء في حديث سهل بن سعد I أن النبي H زوج رجلًا بامرأة على أن يعلمها القرآن، وليس فيه أنه أخذ رأي وليها؛ فالجواب عليه: أن هذه واقعة عين تدخلها الاحتمالات، فلعل المرأة لم يكن لها ولي، فوليها السلطان، فلا يعارَض به النص الصريح في اشتراط الولي في حديث عائشة وأبي موسى L.
وثبت عند أحمد (6/427)، وأبي داود (2107) وغيرهما أن النجاشي زوّج أم حبيبة J على النبي H وكانت في الحبشة، وهذا معناه: أن النجاشي تولى أمرها وما تحتاج إليه، وكان في الحبشة يومها أولياء لها آذنون بذلك، ويدل عليه ما جاء في الصحيحين أن زينب بنت جحش J كانت تقول: «زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ»، ففيه: أن جميع نساء رسول الله H زوجهن أولياؤهن بما فيهن أم حبيبة J.
المسألة الثانية: الأحق بولاية المرأة في النكاح([4]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن أولياء المرأة في النكاح هم عصبتها فقط، لأنها تنسب إليهم، وهم الذكور من جهة أبيها، فوليها كل وارث من الذكور ما عدا الإخوة لأم، وهذا كالأب وإن علا، والابن وإن نزل، والأخ، والعم وإن علا، وابن العم وإن نزل، ولا تكون الولاية في ذوي الأرحام كالخال وولد الأم ونحوهم، ولا للعصبة من الإناث؛ لأنها لا تثبت لها ولاية على نفسها؛ لقصورها، فمن باب أولى لا تثبت لها ولاية على غيرها.
والأقرب من العصبة هو الأحق بالولاية، فلا حق للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث، ولأن الولاية مبنية على النظر والشفقة، وأشفقهم بها أقربهم إليها.
واختلفوا أيهما يقدم: الأب أم الابن؟ والأصح أنه يقدم الأب، وإن كان الابن مقدمًا عليه في الميراث؛ لأن الأب أكمل نظرًأ وأشد شفقة على ابنته من ولدها، فهو أصلح لها وأنفع.
وهو مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة، وقول بعض الحنفية.
المسألة الثالثة: عدالة الولي([5]):
لا خلاف بين العلماء أنه يشترط إسلام الولي حتى تصح ولايته على المسلمة، فلا يثبت لكافر ولاية على مسلمة، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض.
واختلفوا في اشتراط عدالته مع إسلامه؛ فالمشهور عند الشافعية والحنابلة: أنه يشترط في الولي أن يكون عدلًا، فلا تصح ولاية الفاسق، لأنه لا يؤمن مع عدم عدالته أن يزوجها على غير كفء، ولما رواه البيهقي (7/134) عن ابن عباس L قال: قال رسول الله H: «لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، فَإِنْ أَنْكَحَهَا وَلِيٌّ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»، وإسناده ضعيف.
ومذهب الحنفية والمالكية، ورواية لأحمد، وقول للشافعية، عليه أكثر متأخري الشافعية: أنه لا تشترط عدالة الولي؛ لعدم وجود دليل على اشتراطها، بشرط أن يزوجها على كفء، وما زال المسلمون يزوجون بناتهم من غير نكير من أحد، ولم يعرف عنهم إبطال نكاح لفسق الولي، وهو الأرجح.
المسألة الرابعة: توكيل الولي غيرَه في عقد النكاح([6]):
عامة العلماء على أنه يجوز التوكيل في النكاح، سواء كان الولي حاضرًا أم غائبًا، وسواء كان أبًا أم غيره، وسواء كان الوكيل من أقاربها أم أجنبيًّا عنها؛ لأنه عقد معاوضة، فجاز التوكيل فيه كالبيع والإجارة.
المسالة الخامسة: من لا ولي لها([7]):
اتفق العلماء على أن المرأة إذا عضلها جميع أوليائها عن الزواج، أو لم يكن لها ولي أصلًا -كمن أسلمت وجميع أسرتها على الكفر- أن وليها السلطان المسلم أو من ينوب عنه، ففي حديث عائشة J أن النبي H قال: «فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».
وإذا لم يوجد سلطان من المسلمين -كما لو كانت في بلد الكفار- فإذا كان في هذه البلدة مؤسسات وهيئات إسلامية موكلة بالنظر في شئون المسلمين وأحوالهم؛ فترجع المرأةُ أمرَها إليهم، فيتولون أمر نكاحها، كما نص على هذا جماعة من علماء العصر([8]).
فإذا لم يكن للمسلمين من يمثلهم في هذه البلاد؛ فتختار لها عدلًا من المسلمين يكون وليًّا لها، على المشهور عند الفقهاء، للضرورة.
المسألة السادسة: الشاهدان في عقد النكاح([9]):
اختلف الفقهاء في اشتراطهما:
القول الأول: يصح النكاح بغير وجود الشهود إذا أعلن وشاع بين الناس بعد العقد، وأحاديث اشتراط وجود الشهود في عقد النكاح أحاديث ضعيفة، وهذا مذهب المالكية والظاهرية، ورواية لأحمد V.
القول الثاني: لا يصح عقد النكاح حتى يشهد عليه شاهدان على الأقل، ففي بعض طرق حديث عائشة J زاد فيه بعض الثقات الأثبات: «وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»، عند البيهقي (7/125)، وابن حبان (4075) وغيرهما، وهي زيادة صحيحة، ورواه ابن عدي في الكامل (6/2356) من حديث أبي هريرة I، وظاهر سنده الحسن، وثبت عن عمر I، وهنالك شواهد أخرى له ضعيفة.
وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو الراجح، وهو فتوى اللجنة الدائمة([10]) وابن عثيمين V.
([1]) سنن البيهقي (7/108).
([2]) سنن البيهقي (7/106)، التمهيد لابن عبد البر (19/86)، نصب الراية (3/187).
([3]) المبسوط للسرخسي (3/858)، المغني (9/345)، بداية المجتهد (2/8)، المحلى مسألة (1825)، فتح الباري (10/235).
([4]) بداية المجتهد (2/12)، المغني (9/359، 367)، المحلى مسألة (1825)، فتح الباري (10/235).
([5]) المغني (9/368)، روضة الطالبين (5/410)، مغني المحتاج (3/201)، فتح القدير (3/285).
([6]) بداية المجتهد (2/13)، المجموع شرح المهذب (17/273)، المغني (9/363).
([7]) المغني (9/360، 380)، روضة الطالبين (5/398)، المحلى مسألة (1825)، فتح الباري (10/236)، الإنصاف (8/71)، حاشية الدسوقي (3/20، 31).
([8]) فتاوى اللجنة الدائمة (18/157)، تسهيل الإلمام للفوزان (4/327).
([9]) الاستذكار (16/214)، المجموع شرح المهذب (17/297)، المغني (9/347)، المحلى مسألة (1832)، الإنصاف (8/102).
([10]) فتاواها (18/182).