وَعَنْ نَافِعٍ, عَنْ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الشِّغَارِ; وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ, وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَاتَّفَقَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (5112)، ومسلم (1415).
فقه الحديث:
مسألة: حكم نكاح الشغار([1]):
صورة الشغار: أن يقول رجل لآخر: «زوجتك ابنتي أو أختي على أن تزوجني بأبنتك أو بأختك»، أو يقول: «زوجت ابنك على ابنتي على أن تزوج ابني بابنتك»، وله حالات:
الحالة الأولى: إذا لم يجعلا لكل واحدة منهما صداقًا، ويكون بضع كل واحدة صداقًا للأخرى.
وهذا محرم بالإجماع، فقد نهى النبي H عنه، كما في حديث ابن عمر L وفي ]صحيح مسلم[ من حديث جابر وأبي هريرة L، ولو تم العقد بهذه الصورة؛ فإنه يكون باطلًا، لأن النهي عنه يقتضي الفساد، كالنكاح بلا ولي، ولأن الصحابة فرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار.
وعلى هذا جمهور الفقهاء، وهو الراجح.
الحالة الثانية: إذا لم يجعلا لكل واحدة منهما صداقًا، اقتصروا عليه.
وهذا محرم كذلك عند جمهور العلماء؛ فالمشهور في تفسير الشغار في الأحاديث الإطلاق، لأن النكاح بغير صداق يقتضي أن بضع كل واحدة صداقًا للأخرى، فهو كما لو تلفظا به، وبالتالي لو حصل بهذه الصورة فهو باطل.
الحالة الثالثة: أن يجعل لكل واحدة منهما صداقًا.
اختلف العلماء في هذه الحالة:
فمذهب الظاهرية، والمشهور عند المالكية، ووجه للشافعية والحنابلة: أن هذا النكاح باطل؛ لأنه شغار، وتفسير الشغار بعدم جعل صداقًا بينهما لا يثبت عن النبي H، وقد روى الإمام أحمد (4/94) وأبو داود (275): «أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الْعَبَّاسِ أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ، وَقَدْ كَانَا جَعَلَا صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: «هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ الله»، وسنده حسن. فحكم معاوية بفساده، مع أنهما جعلا بينهما صداقًا، ووجود هذا الشرط يقتضي أن بضع كل امرأة منهما بعض مهر الأخرى مع المال المسمى.
والصحيح عند الشافعية والحنابلة، ورواية للمالكية: أن النكاح صحيح، فلا يكون شغارًا مع وجود الصداق بينهما، ففي حديث ابن عمر L قال: «نَهَى رَسُولُ الله H عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ اِبْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ اِبْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ»، فقيد الشغار بعدم وجود المهر، وجاء هذا التفسير للشغار في ]صحيح مسلم[ من حديث أبي هريرة I أيضًا.
وظاهر هذا التفسير أنه عن رسول الله H، أو عن ابن عمر وأبي هريرة M، وعلى فرض أنه عن نافع وغيره؛ فتفسير الراوي مقدم على غيره، فهو أعلم بما روى، ولعل نافعًا أخذه عن مولاه ابن عمر L، وابن عمر L أخذه عن رسول الله H، وأيضًا هو الموافق للغة العرب، يقال: «دار شاغر من أهلها»: إذا خلت من ساكنيها، و«شغر الكلب»: إذا رفع رجله وأخلى مكانها.
وحديث معاوية I قد رواه ابن حبان (4153) وفيه: «وَقَدْ كَانَا جَعَلاهُ صَدَاقًا»، وهذا يدل على أنهما لم يسميا صداقًا، وإنما جعل الصداق بضع مقابل بضع آخر، وأيضًا هو موقوف على معاوية I، وهذه الرواية أصح، لأنها تتفق مع ما جاء في حديث ابن عمر وأبي هريرة M.
وهذا هو الأقرب، والله أعلم، وتفسير الشغار في حديث ابن عمر L من نافع V، وفي حديث أبي هريرة L من قول عبيد الله بن عمر V، كما جاء مصرحًا به من وجه آخر.
ملاحظة: المذهب عند الحنابلة: أنه يجب أن يكون المهر المسمى بينهما غير قليل يصلح أن يكون مهرًا للمرأة عرفًا، ولا يكون فيه حيلة، ولو كان أقل من مهر المثل.
ومذهب الشافعي ووجه للحنابلة والمالكية: أنه يشترط أن يكون المهر هو مهر المثل المتعارف عليه بين الناس، فلا ينقص عليه، وهو الأقرب؛ حتى لا يكون النقص بمقابل البضع.
([1]) بدائع الصنائع (2/278)، التمهيد لابن عبد البر (14/70)، المنتقى للباجي (3/309)، المحلى مسألة (1856)، المجموع شرح المهذب (17/352)، المغني (10/42)، زاد المعاد (5/108)، الإنصاف (8/160)، البيان في مذهب الشافعي (9/271).