وَعَنْ الْحَسَنِ, عَنْ سَمُرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ, فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالْأَرْبَعَةُ, وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
تخريج الحديث:
حديث سمرة I: رواه أحمد (5/8)، وأبو داود (2088)، والنسائي (7/314)، والترمذي (1136)، ولم يروه ابن ماجه، وسنده ضعيف، فهو عن الحسن عن سمرة I، والحسن مدلس ولم يصرح بالسماع.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: إذا زوج المرأة وليان في درجة واحدة([1]):
كأخوين أو عمين، فإن العقد الأول هو الصحيح، والثاني باطل باتفاق أهل المذاهب، وفي الحديث: «أَيُّمَا اِمْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ –أي: في درجة واحدة-، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا »، فالنكاح يصح من أي واحد منهما، لأنهما في درجة واحدة.
والأفضل أن يقدم الأعلم والأورع والأكبر سنًّا؛ لأن له مزية على غيره، فيكون أعلم بمصلحة النكاح، كما نص عليه الشافعية والحنابلة وغيرهم.
المسألة الثانية: إذا زوج المرأة ولي أبعد مع وجود الأقرب بدون إذنه([2]):
اختلف العلماء في هذه المسألة:
فمذهب الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، ورواية لمالك، وقول ابن حزم: أن النكاح باطل ولو أجازه الولي الأقرب بعد ذلك؛ لأن هذا حق للأقرب كالميراث، فإذا انعقد النكاح بدونه كان قد اختل شرط من شروط صحته، فلابد من تجديد عقد النكاح.
ومذهب الحنفية، ورواية لمالك، ورواية لأحمد: أن صحة النكاح متوقفة على إجازة الولي الأقرب، فإن أجازه صح، وإن رفض بطل النكاح؛ لأن الولي الأبعد هو ولي في الأصل، إلا أن غيره مقدم عليه، فيكون العقد وقع مع وجود ولي المرأة، وليس كمن نُكِحت بدون ولي، وإنما يشترط في عقد النكاح وجود الولي، وهذا ولي لها بالجملة.
قلت: الأحوط تجديد النكاح؛ احتياطًا للفروج، وخروجًا من الخلاف.
المسألة الثالثة: إذا كان الولي الأقرب غائبًا أو منع المرأةَ من النكاح([3]):
المعتمد عند الحنفية، ووجه للمالكية، والصحيح عند الحنابلة، ووجه للشافعية: إذا كانت الغيبة منقطعة –أي: طويلة ولا يمكن التواصل معه - انتقلت الولاية منه إلى الولي الذي بعده؛ لما في تأخير زواج المرأة من الإضرار بها، ولأنه تعذر التزويج من جهة الأقرب، فصار للأبعد، كما لو مات أو
كفر أو جُنّ.
ولا تنتقل الولاية هنا للسلطان؛ لأن السلطان إنما هو ولي من لا ولي له، وهذه لها ولي آخر.
والمعتمد عند المالكية، والأصح عند الشافعية، ورواية لأحمد: أن الولاية تنتقل للحاكم؛ لأن وليها لا زال باقيًا، وإنما تعذر الوصول إليه، فتنتقل بطريق النيابة لا بطريق الولاية؛ فيكون الحاكم نائبًا عن الولي.
والقول الأول هو الأرجح، والأحوط: أن يأخذ الإذن من السلطان أو من ينوبه؛ قطعًا لباب النزاع بين الولي الأقرب والأبعد، ومنعًا من التلاعب بعقد النكاح، وخروجًا من الخلاف بين العلماء.
وأما إذا عضلها وليها الأقرب، أي: منعها من الزواج بالكفء؛ فترفع القضية للحاكم لسماع الدعاوى والقضاء بما هو أصلح وأنفع للمرأة.
([1]) بداية المجتهد (2/15)، روضة الطالبين (5/431)، المغني (9/428، 432).
([2]) بداية المجتهد (2/14)، المغني (9/378)، المحلى مسألة (9/37)، حاشية ابن عابدين (4/144)، الإنصاف (8/81)، حاشية الدسوقي (3/22).
([3]) المغني (9/382، 385)، بداية المجتهد (2/11)، مغني المحتاج (3/203)، حاشية ابن عابدين (4/144)، حاشية الدسوقي (3/27، 31)، الإنصاف (8/75).