- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ, مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث عقبة بن عامر I: رواه البخاري (2563)، ومسلم (1504).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: شروط المرأة في النكاح([1]):
قال جمهور العلماء: شروط المرأة التي يجب على الزوج الوفاءُ بها: هي الشروط التي هي من مقتضيات النكاح ومقاصده، كشرط العشرة بالمعروف، والإنفاق عليها، وكسوتها، والسكنى لها، والعدل بينها وبين ضرائرها، وهذه هي الشروط المقصودة في قول النبي H: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ، مَا اِسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ».
وأما اشتراط ألا يتزوج عليها، أو لا يسافر بها من بلدها، أو لا ينقلها من دار معينة ونحو ذلك؛ فهي شروط باطلة، ولا يجب على الزوج الوفاء بها؛ لأنها ليست في كتاب الله D ولا سنة نبيه H، وفي الصحيحين عن
رسول الله H: «أَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ».
وذهب جماعة من السلف، وفقهاء أهل الحديث، والمشهور عند الحنابلة: أن للمرأة أن تشترط عند العقد ما فيه نفع وفائدة لها، ما لم يكن محرمًا، كأن تشترط عليه ألا يتزوج عليها، أو لا يسافر بها من بلدها، أو لا يخرجها من دارها ونحو ذلك، ويلزم على الزوج الوفاء بها، وإلا كان آثمًا، وللمرأة حق الفسح، ولا يرد للزوج شيء، لقوله H: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ، مَا اِسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ».
وليس المراد بالشروط في هذا الحديث: الشروط المتعلقة بمقتضيات النكاح ومقاصده، كالعشرة والمهر والنفقة والسكنى والعدل؛ لأنها حقوق تلزمه – أصلًا - من دون أن تشترط عليه، فيكون المراد بالشروط في حديث عقبة: الشروط الزائدة على حقوق المرأة، مما فيها مصلحة لها، ولم ينه عنها الشرع، وإنما تلغى الشروط الفاسدة المخالفة للشرع، لأنها ليست في كتاب الله B، كاشتراط الشغار، أو التحلل، أو طلاق ضرتها، أو النكاح لمدة معينة، أو التي تنافي المقصود من النكاح، كاشتراط عدم الجماع، أو أن تكون الفرقة بيدها.
وقد صح عن عمر I: «أَنَّهُ أُتِيَ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَ لَهَا زَوْجُهَا دَارَهَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَهَا شَرْطُهَا»، ولا يصح عن عمر I خلافه، وكذلك صح عن عمرو بن العاص I، رواهما ابن أبي شيبة (4/198)، وعبد الرزاق (6/227) وغيرهما، ولا يصح عن غيرهما من الصحابة خلافه.
وهذا هو الأرجح.
تنبيه: إذا تعذر عليه الوفاء بشرطها، أو عجز عنه، فإنه يسقط عنه، ولعله لا نزاع فيه بين الفقهاء، كما لو اشترطت عليه البقاء في بلدة معينة، فنشبت فيها الحروب.
المسألة الثانية: شروط الرجل في النكاح([2]):
على قسمين:
الأول: إذا شرط فيها صفة معينة، أو سلامة من العاهات.
كأن يشترط أن تكون بكرًا أو جميلة أو شابة أو سالمة من العمى أو من العرج؛ فإذا ظهرت على خلاف ما اشترطه عليهم، كان له حق الفسخ، ويرد له ماله؛ لأن الخلف حصل منهم، وكانوا قد رضوا بالشرط.
وهذا مذهب المالكية، والصحيح عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة.
الثاني: أن يشترط عليها أن تتنازل عن بعض حقوقها.
مثلًا: لا ينفق عليها، أو لا يعدل في القسم بينها وبين ضرائرها، أو لا يأويها في مسكن؛ ومذهب جمهور العلماء أن هذه الشروط باطلة؛ لأنها تخالف مقتضيات النكاح والغرض منه، فمن مقتضى النكاح: النفقة والسكنى والكسوة والعدل في القسم للمرأة على الرجل، وقد أمر الشرع بها، فلا تقبل هذه الشروط، لأنها مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه.
ونص جماعة من العلماء، كالإمام أحمد والحنفية وبعض السلف على صحة هذه الشروط، مع جواز رجوع المرأة فيها؛ لأن الشرع أمر بها لأجل المرأة، فجاز لها أن تتنازل عنها برغبتها لمصلحة لها، كما أجمعوا على أنه يجوز لها أن تتنازل عنها بعد عقد النكاح برضاها، فجاز أن تتنازل عنها عند عقد النكاح إذا اشترط الرجل ذلك، ولها الرجوع عن هذا الشرط، لأنه بمقابل استمتاع الرجل بامرأته، فكان لها الحق بالمطالبة به بعد ذلك.
وهذا هو الأرجح.
وانتشر في هذا الزمان ما يسمى بـ«زواج المسيار([3])»، وهو: أن يتزوج الرجل المرأة بشرط أن تتنازل عن بعض حقوقها، من نفقة أو كسوة أو مسكن أو قسم، وقد حرمه جماعة من العلماء والبحاث، منهم الشيخ الألباني V؛ لأنه ينافي مقتضى النكاح ومقاصده، وفيه تلاعب بالمرأة واستغلال لها.
وذهب جماعة من العلماء والبحاث منهم ابن باز V إلى عدم حرمته؛ ففيه مصلحة للطرفين، وغاية ما فيه أن تنازلت المرأة عن بعض حقوقها لمصلحة أكبر لها.
وتوقف بعض العلماء والبحاث فيه، خشية أن يكون ذريعة للفساد والشر، منهم ابن عثيمين V.
والظاهر عدم حرمته إذا توفرت فيه الشروط الآتية:
- إعلان النكاح وعدم إخفائه.
- أن يعلم من حال الرجل والمرأة الصدق والرغبة في النكاح، فيجب تحاشي المفسدين والمجهولين.
- أن لها الرجوع والمطالبة بحقها متى شاءت.
ومع هذه الشروط وغيرها؛ فهو نكاح مكروه، لا يشجع عليه، لما كثر فيه من الخداع والخيانة، وخروجًا من الخلاف.
([1]) الاستذكار (16/143)، بداية المجتهد (2/59)، الأوسط لابن المنذر (8/407)، شرح مسلم (9/172)، المغني (9/483)، مجموع الفتاوى (29/176)، زاد المعاد (5/106)، الإنصاف (8/156).
([2]) فتح القدير لابن الهمام (3/350)، الأوسط لابن المنذر (8/416)، المغني (9/486)، روضة الطالبين (5/518)، شرح مسلم (9/173)، المنتقى للباجي (3/297)، مجموع الفتاوى (29/175)، الفقه على المذاهب الأربعة (4/90)، الإنصاف (8/165)، الفقه الإسلامي وأدلته (9/6542)، الشرح الممتع (12/196).
([3]) مستجدات فقهية للزواج للأشقر، زواج المسيار للمطلق، مسميات الزواج المعاصر للبدير.