وَعَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ الْعَالِيَةَ مِنْ بَنِي غِفَارٍ, فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَوَضَعَتْ ثِيَابَهَا, رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا، فَقَالَ: «الْبَسِي ثِيَابَكِ, وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ»، وَأَمَرَ لَهَا بِالصَّدَاقِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ, وَفِي إِسْنَادِهِ جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ, وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي شَيْخِهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا.
(1020) 12- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ; أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً, فَدَخَلَ بِهَا, فَوَجَدَهَا بَرْصَاءَ, أَوْ مَجْنُونَةً, أَوْ مَجْذُومَةً, فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَسِيسِهِ إِيَّاهَا, وَهُوَ لَهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنْهَا. أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ, وَمَالِكٌ, وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ, وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1021) 13- وَرَوَى سَعِيدٌ أَيْضًا: عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ, وَزَادَ: وَبِهَا قَرَنٌ, فَزَوْجُهَا بِالْخِيَارِ, فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا.
(1022) 14- وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَيْضًا قَالَ: قَضَى بِهِ عُمَرُ فِي الْعِنِّينِ, أَنْ يُؤَجَّلَ سَنَةً، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
تخريج الحديث والآثار:
حديث كعب بن عجرة I: رواه أحمد (3/493)، والحاكم (4/34)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه جميل بن زيد الطائي ضعيف جدًّا.
وأثر عمر بن الخطاب I، الأول: رواه سعيد بن منصور (3/2128)، ومالك (2/526)، وابن أبي شيبة (4/175) وغيرهم عن سعيد بن المسيب عن عمر I، ولم يسمع سعيد بن المسيب من عمر I إلا خطبة على المنبر على الصحيح، لكنه اعتنى بقضايا عمر I حتى صار مرجعًا فيها.
وأثر علي I: رواه سعيد بن منصور (3/1/212)، والبيهقي (7/215) عن الشعبي عن علي I، وهو منقطع؛ فلم يسمع الشعبي من علي I إلا حرفًا واحدًا.
وأثر عمر بن الخطاب I، الثاني: رواه ابن أبي شيبة (4/207) عن سعيد ابن المسيب عن عمر I، وله طرق أخرى عن عمر I ضعيفة يثبت بها الأثر. رواها ابن أبي شيبة (4/207) وعبد الرزاق (6/253)، والدارقطني (3/267)، والبيهقي (7/226).
فقه الحديث والآثار:
المسألة الأولى: العيوب المؤثرة في النكاح([1]):
أولًا: الجب والعنة في الرجل.
الجب: قطع الذكر. والعنة: العجز عن الجماع؛ لعدم انتشار الذكر؛
وقد أجمع العلماء على أن المجبوب إذا نكح امرأة، ولم تعلم بحاله؛ أن لها الخيار في الفسخ إذا علمت بعد ذلك.
وكذلك يثبت لها الخيار في العنين عند عامة العلماء، خلافًا للظاهرية؛ لأن هذا العيب يمنع من الوطء الذي هو من أجل مقاصد النكاح، ولا تتمكن من الاستمتاع بغيره؛ لأنها تحت عصمته، وليس لها حق الفسخ حتى يؤجَّل العنين إلى سنة؛ لعله أن يقدر على وطئها، فإن لم يستطع وانقضت السنة؛ فلها الفسخ إن أرادت.
وهذا مذهب جمهور العلماء، وقد ثبت هذا التوقيت عن عمر وابن مسعود L، وجاء عن علي والمغيرة L، ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة، فكان هو الراجح.
ثانيًا: العيوب الأخرى غير الجب والعنة.
مذهب جمهور العلماء: أنه يثبت خيار الفسخ لكل واحد من االزوجين، إذا كان الآخر فيه جنون أو برص أو جذام، ويثبت الخيار بالفسخ للرجل أيضًا بوجود الرتق والقرن في المرأة، والرتق انسداد الفرج، والقرن لحم -وقيل عظم- في الفرج يمنع الجماع، كما يثبت للمرأة حق الفسخ بالجب والعنة.
ولا يثبت خيار الفسخ في غير هذه العيوب الخمسة.
فقد جاء عن النبي H أنه تزوج امرأة، «فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَوَضَعَتْ ثِيَابَهَا، رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا –أي: برصًا-، فَقَالَ: الْبَسِي ثِيَابَكِ، وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ».
وجاء عن عمر I ثبوت الخيار بالبرص أو الجنون أو الجذام، وجاء عن علي I كذلك.
ولأنها عيوب تحدث نفرة، فتمنع مقاصد النكاح، ويخاف منها التعدي للآخر ونسله، وأما غيرها من العيوب؛ فلا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه.
وذهب بعض الحنابلة، وبعض الشافعية، وابن تيمية وابن القيم: إلى أن الخيار يثبت لكل من الزوجين بكل عيب يؤثر في الاستمتاع وينفر أحدهما من صاحبه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، كما يثبت الفسخ في المبيع لوجود عيب كتمه البائع، بل الفسخ هنا أولى؛ لما في هذه العيوب من التدليس والغش.
وذهب بعض السلف، والمشهور عند الحنفية والظاهرية: إلى أنه ليس للزوجين خيار فسخ النكاح بوجود عيب في الآخر، فلا يوجد نص ولا إجماع يدل على ثبوت الفسخ عند وجود العيب في أحد الزوجين، وإنما هو النكاح كما شرعه الله D، فإن كره منها شيئًا وأراد الفرقة فبالطلاق وأحكامه، وإن كرهت منه شيئًا فبالخلع وأحكامه، وقد يبرأ من به علة بفضل الله B، وقد جاء عن ابن مسعود I أنه قال: «لَا تُرَدُّ الْحُرَّةُ مِنْ عَيْبٍ». رواه ابن أبي شيبة (4/177)، عن النخعي عنه، وهو منقطع.
ويرد على جمهور العلماء بأن هنالك عيوبًا أخرى تحدث بسببها النفرة، ولا يقولون بثبوت خيار الفسخ فيها.
وقياس الرتق والقرن على الجب والعنة قياس بعيد؛ لإمكان إزالة هذا العيب بالشق والقطع، فيمكن الوطء بعد ذلك، ولأن المرأة تتضرر حيث إنها لا تستطيع الاستمتاع به ولا بغيره، أما الرجل فيمكنه الاستمتاع بغيرها من نسائه.
وأما الرد بكل عيب؛ فهذا وإن صح في البيع فلا يصح في النكاح، وذلك لأن الخيار جائز في البيع مدة مسماة ولا يجوز في النكاح، ولأن المراد في البيع من الجانبين المال، والنكاح ليس كذلك، فإن المال فيه تابع غير مقصود، ولأن هذا القول لا ينضبط، وفيه توسع وذريعة للحِيَل والمكر، وفتح باب للمشاكل.
وما عليه جمهور العلماء هو الأرجح، والله أعلم، ويلحق بهذه العيوب ما في معناها مما يماثلها في الضرر أو يزيد عليها فيه، كالإيدز، فالمعنى الذي وجد في العيوب المنصوص عليها وجد فيها.
المسألة الثانية: رجوع المهر للزوج عند الفسخ بسبب عيب مؤثر([2]):
إذا كانت الفرقة بالعيب المؤثر قبل الدخول على المرأة؛ فيرجع له المهر كاملًا، ولا شيء للزوجة من المهر، سواء كان العيب في المرأة أو الرجل.
وإذا كانت الفرقة بعد الدخول عليها بأن لم يعلم بعيبها أو لم تعلم بعيبه إلا بعد الدخول؛ فالمهر يكون لها بما استحل من فرجها، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو الراجح. ويرجع الزوج على من غرَّه بها، إذا كان العيب فيها، فيأخذ مهره منه عند المالكية والحنابلة وقول للشافعية، وجاء هذا عن عمر I، ما دام ثبت له حق الفسخ، وهو الراجح.
والأصح عند الشافعية: أنه لا يرجع على من غره؛ لأنه استوفى بدله وهو الوطء.
المسألة الثالثة: إذا علم أحد الزوجين بالعيب المؤثر الموجود في الآخر ورضي به([3]):
إذا علم أحد الزوجين بعيب صاحبه قبل العقد أو بعده ورضي به؛ فليس له حق الفسخ بعد ذلك، بلا خلاف بين العلماء، وإنما هو الطلاق أو الخلع.
وإذا علم بالعيب، فسكت ولم يصرح بالرضى، ثم أراد الفسخ بعد ذلك؛ فعند الحنفية والحنابلة ووجه للشافعية: له ذلك؛ لأنه ربما سكت لأجل التفكير والاستشارة، أو يأمل من حصول العافية، فلا يسقط الحق بالشك والاحتمال، وهو الأقرب.
وعند الشافعية ووجه للحنابلة: ليس له الفسخ بعد ذلك، فسكوته عن العيب بعد معرفته به يدل على رضاه.
المسألة الرابعة: اشتراط وقوع الفرقة الثابتة بالعيب عند الحاكم([4]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن هذه الفرقة يشترط فيها الرفع إلى الحاكم؛ لأنها فرقة مجتهد فيها، فلابد من نظر الحاكم واجتهاده، ولأنها تحتاج إلى الدعوى، والدعوى لا تكون إلا عند الحاكم، ولأن في بعض العيوب ما هو مختلف فيه، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.
([1]) فتح القدير لابن الهمام (4/305)، الاستذكار (16/94)، روضة الطالبين (5/511)، المغني (10/57)، المحلى مسألة (1895، 1930)، مجموع الفتاوى (29/175)، زاد المعاد (5/182)، الشرح الممتع (12/219)، الموسوعة الفقهية (29/67).
([2]) انظر المراجع السابقة.
([3]) انظر المراجع السابقة.
([4]) انظر المراجع السابقة.