وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: شَهِدْتُ الْأَضْحَى مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ بِالنَّاسِ, نَظَرَ إِلَى غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ, فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى
اسْمِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
حديث جندب بن سفيان I: رواه البخاري (5562)، ومسلم (1960).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: وقت ابتداء ذبح الأضحية([1]):
مذهب الإمام مالك: أن وقتها يبتدئ من بعد ذبح الإمام لأضحيته، فمن ذبح قبل أن يذبح الإمام؛ فلا تجزئ أضحيته، لما رواه الإمام مسلم عن جابر I قال: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ H يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ H قَدْ نَحَرَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ H مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ H».
ومذهب جمهور العلماء: أن الأضحية تجزئ إذا ذبحت قبل أن يذبح الإمام أضحيته، ولا يشترط لصحة الأضحية أن يذبح الإمام أولًا، لظاهر الأدلة المتكاثرة التي تدل على عدم اشتراط ذلك، كحديث جندب بن سفيان I أن النبي H قال: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا»، ولم يقيد ذلك بالذبح بعد ذبح الإمام.
وكحديث أنس بن مالك I في ]الصحيحين[ أن النبي H قال: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ».
وردوا على حديث جابر I بالآتي:
- أن الحديث معلّ.
- أن الغرض منه التأني، حتى لا يحصل التعجيل الذي قد يؤدي إلى فعلها قبل الوقت.
- أنه للأفضل.
والحامل على هذه الردود: الجمع بينه وبين بقية الأدلة، ولأنه ربما لم يذبح الإمام، أو تشاغل بما يصرفه عن الذبح.
وأيضًا لا يعلم هذا عن أحد قبل الإمام مالك.
ومذهب الجمهور هو الراجح، والأفضل لمن حضر ذبح الإمام لأضحيته ألا يذبح إلا بعده، عملًا بحديث جابر I.
واختلفوا في تحديد أول الوقت الذي تذبح فيه الأضحية:
فمذهب أبي حنيفة: أن الذبح يبتدئ بعد صلاة الإمام وخطبته، فمن ذبح قبل الصلاة أو الخطبة؛ فلا تجزئ أضحيته.
ومذهب الشافعية ورواية لأحمد: أن وقتها بعد طلوع الشمس ثم مضي قدر صلاة العيد والخطبة، فمن ذبح قبل ذلك؛ فلا تجزئ أضحيته، ومن ذبح بعد ذلك أجزأته، ولو لم يصلِّ الإمام بعد.
ومذهب الظاهرية: أن وقتها قدر طلوع الشمس ثم مضي قدر صلاة العيد دون الخطبة.
والمشهور عند الحنابلة: أن الأضحية يبتدئ وقت ذبحها من بعد صلاة الإمام مباشرة، ولا يحتاج أن ينتظر إلى بعد الخطبة، فهذا ظاهر الأدلة، ففي حديث جندب بن سفيان I: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا»، فيفهم من قوله: «قَبْلَ الصَّلَاةِ» أن الإعادة تكون بعد الصلاة.
وحديث أنس I وفيه: «وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ»، وهذا أصرح.
وأما من لم يصلِّ مع الإمام، ولم يعلم بانتهاء صلاته؛ فيقدر قدر صلاته، كأهل البوادي ومن كان في سفر.
وهذا هو الأرجح.
المسألة الثانية: آخر وقت ذبح الأضحية([2]):
مذهب الشافعي وغيره: أن وقت الأضحية يستمر من يوم النحر إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، فوقتها يوم النحر وأيام التشريق؛ لما رواه أحمد (4/82) وغيره عن جبير بن مطعم I قال: قال رسول الله H: «وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»، وفي إسناده ضعف.
ولأنها أيام ذكر وأكل؛ فيجوز الذبح فيها بأكملها.
ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد: أن وقت الأضحية يبتدئ من يوم النحر إلى غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، فوقتها يوم النحر ويومان بعده، يفهم ذلك من نهي النبي H عن ادخار الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فلا يجوز الذبح في وقت نهى الشرع عن ادخار الأضاحي فيه، ففي ]الصحيحين[ عن علي I قال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ H نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ».
وفي ]الصحيحين[ عن ابن عمر L أن النبي H قال: «كلوا من الأضاحي ثلاثًا».
وأيضًا هذا هو الثابت عن أبي هريرة وأنس وابن عمر M، وجاء عن غيرهم ولا يعلم لهم مخالف من الصحابة صح عنه.
وحديث جبير I الأقرب ضعفه، وأيضًا هو في ذبح الهدي.
وهذا هو الأرجح.
المسألة الثالثة: ذبح الأضحية في الليل([3]):
مذهب الإمام مالك، ورواية لأحمد: أنه لا يصح ذبحها في الليل، فقد قال تعالى: ﴿ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ﴾ [الحج: ٢٨]، فذكر الأيام دون الليالي، فهي عبادة نهارية.
ولما جاء عن عطاء بن يسار أن النبي H نهى عن الذبح في الليل، رواه ابن حزم، وهو مرسل ضعيف.
ومذهب جمهور العلماء: جواز ذبحها في الليل، وذكر الأيام لا ينافي الليل، وأيضًا الآية في الذكر وليست في الذبح، فلا دليل يصح على منع الذبح في الليل.
والأولى أن تذبح في النهار؛ لأن الليل يتعذر فيه تفرقة الأضحية في الغالب، فلا يفرق اللحم طريًا.
([1]) المجموع شرح المهذب (8/389)، المحلى مسألة (978)، شرح مسلم (13/94)، المغني (13/384)، الإنصاف (4/84).
([2]) المحلى مسألة (982)، المغني (13/386)، المجموع شرح المهذب (8/390)، الاستذكار (15/198)، شرح مسلم (13/95)، فتح الباري (11/121)، الأخبار العلمية (ص/178).
([3]) المحلى مسألة (982)، شرح مسلم (13/95)، المغني (13/387)، فتح الباري (11/122)، الإنصاف (4/87).